ووجه الدلالة منه: أن الملائكة سمعوا الصوت كأنه سلسلة على صفوان .. إذا فكلام الله كان بصوت مسموع.
واختلف في صوت السلسلة على الصفوان، هل هو صوت كلام الله تعالى أم صوت السماء وأجنحة الملائكة؟
على قولين:
الأول: أن الصوت ليس صوت الله ولكن صوت السماء أو صوت أجنحة الملائكة
وممن نصر هذا القول كثير من الأشاعرة الذين ينفون الصوت لله كما أثبته أهل السنة ..
قال البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 30):
عن عبد الله بن مسعود، موقوفا ومرفوعا إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان.
ففي هذين الحديثين الصحيحين دلالة على أنهم يسمعون عند الوحي صوتا لكن للسماء، ولأجنحة الملائكة، تعالى الله عن شبه المخلوقين علوا كبيرا. الخ
وجاء في شرح ابن بطال (20/ 157):
فرد البخاري عليهم بقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا قضى الله الأمر في السماء، فزعت الملائكة وضربت بأجنحتها فكان لها صوت، كأنه سلسلة على صفوان خضعانا» الخ
فإذا صح ما قاله ابن بطال عن البخاري فهو يقول بأن الصوت صوت ضرب الأجنحة.
وهذا النقل عن البخاري يحتاج إلى مراجعة من ناحية ثبوته، فربما زاد ابن بطال لفظة " فكان لها صوت " من عنده .. والله أعلم.
ويستدل هؤلاء برواية من رواه بلفظ " كأنها سلسلة على صفوان " أي كأن فعل الملائكة وهو ضرب الأجنحة.
وهي في الترمذي ج5/ص362 ح3223 وفي التوحيد لابن خزيمة (1/ 220) من رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي.
فنقول: الروايات جاءت بلفظ " كأنه سلسلة على صفوان " والضمير فيها لكلام الله تعالى.
وأوضح من ذلك رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهي قوله: إذا تكلم الله عز وجل سمع له صوت كجر السلسلة على الصفوان.
ذكرها عبد الله في السنة (1/ 281) فقال:
وقال أبي رحمه الله حديث ابن مسعود رضي الله عنه إذا تكلم الله عز و جل سمع له صوت كجر السلسلة على الصفوان قال أبي وهذا الجهمية تنكره وقال أبي هؤلاء كفار يريدون أن يموهوا على الناس من زعم أن الله عز و جل لم يتكلم فهو كافر ألا إنا نروي هذه الأحاديث كما جاءت.
وفي رواية: إذا قضى الله الوحي في السماء سُمِعَ له كجر سلسلة على صفوان»
وجاء في السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 281):
حدثني أبو معمر نا جرير عن الأعمش نا ابن نمير وأبو معاوية كلهم عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله قال إذا تكلم الله عز وجل بالوحي سمع أهل السماء له صلصلة كصلصلة الحديد على الصفا.
قال أبو عبد الرحمن وقد روى هذا الحديث بعض الشيوخ عن قران بن تمام عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورواه أيضا أبو معاوية ببغداد فرفعه مرة. اهـ
الثاني: أن هذا الصوت هو صوت كلام الله تعالى الموحى به.
وظاهر هذا الرأي تشبيه صوت الحق تبارك وتعالى بصوت مخلوق وهو السلسلة على الصفوان، فما المخرج؟
المخرج هو أن نقول بالتشبيه بين سماع صوت الحق وسماع صوت السلسلة، أي أن التشبيه في السمع وليس المسموع ..
قال حافظ حكمي – رحمه الله - في أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة (1/ 171):
وهذا تشبيه للسماع بالسماع، لا للمسموع بالمسموع، تعالى الله أن يشبهه في ذاته أو صفاته شيء من خلقه، وتنزه النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمل شيء من كلامه على التشبيه، وهو أعلم الخلق بالله عز وجل.
وقال ابن عثيمين - رحمه الله - في القول المفيد على كتاب التوحيد (1/ 223):
وليس المراد تشبيه صوت الله تعالى بهذا، لأن الله {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]، بل المراد تشبيه ما يحصل لهم من الفزع عندما يسمعون كلامه بفزع من يسمع سلسلة على صفوان.
وقوله: "ينفذهم ذلك"، النفوذ: هو الدخول في الشيء، ومنه، نفذ السهم في الرمية، أي: دخل فيها، والمعنى: إن هذا الصوت يبلغ منهم كل مبلغ. اهـ
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي - حفظه الله - في شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (1/ 170):
وهو أن قوله: (كأنه سلسلة على صفوان) معناه أن الصوت المسموع هو من كلام الله وليس المراد أن كلام الله يشبه صوت السلسلة، لأن كلام الله لا يشبه شيئا من كلام المخلوقين ولا أصواتهم، بل المراد إثبات الصوت، وأن كلام الله بصوت، كما أن السلسلة التي على صفوان يسمع منها صوت، فالمراد إثبات أن كلام الله بصوت مسموع، بحرف وصوت لا يشبه كلام ولا حروف المخلوقين، ولا أصواتهم. هذا الصواب من معتقد أهل السنة والجماعة. اهـ بتصرف يسير.
والله أعلم.
ـ[سعودالعامري]ــــــــ[12 - 03 - 10, 03:09 م]ـ
جزاك الله خيرا يا شيخ عادك.
¥