تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[بطلان التأويل والتفويض]

ـ[وراق لبنان]ــــــــ[12 - 03 - 10, 05:43 م]ـ

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -:

غاية ما ينتهي إليه هؤلاء المعارضون لكلام الله ورسوله بآرائهم من المشهورين بالإسلام هو التأويل أو التفويض فأما الذي ينتهون إلي أن يقولوا الأنبياء أوهموا وخيلوا ما لا حقيقة له في نفس الأمر فهؤلاء معروفون عند المسلمين بالإلحاد والزندقة

والتأويل المقبول: هو ما دل علي مراد المتكلم والتأويلات التي يذكرونها لا يعلم أن الرسول أرادها بل يعلم بالاضطرار في عامة النصوص أن المراد منها نقيض ما قاله الرسول كما يعلم مثل ذلك في تأويلات القرامطة والباطنية من غير أن يحتاج ذلك إلي دليل خاص

وحينئذ فالمتأول إن لم يكن مقصوده معرفة مراد المتكلم كان تأويله للفظ بما يحتمله من حيث الجملة في كلام من تكلم بمثله من العرب هو من باب التحريف والإلحاد لا من باب التفسير وبيان المراد

وأما التفويض: فإن من المعلوم أن الله تعالي أمرنا أن نتدبر القرآن وحضنا علي عقله وفهمه فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله؟

وأيضا فالخطاب الذي أريد به هدانا والبيان لنا وإخراجنا من الظلمات إلي النور إذا كان ما ذكر فيه من النصوص ظاهره باطل وكفر ولم يرد منا أن نعرف لا ظاهره ولا باطنه أو أريد منا أن نعرف باطنه من غير بيان في الخطاب لذلك فعلي التقديرين لم نخاطب بما بين فيه الحق ولا عرفنا أن مدلول هذا الخطاب باطل وكفر

وحقيقة قول هؤلاء في المخاطب لنا: أنه لم يبين الحق ولا أوضحه مع أمره لنا أن نعتقده وأن ما خاطبنا به وأمرنا باتباعه والرد إليه لم يبين به الحق ولا كشفه بل دل ظاهره علي الكفر والباطل وأراد منا أن نفهم منه شيئا أو أن نفهم منه ما لا دليل عليه فيه وهذا كله مما يعلم بالاضطرار تنزيه الله ورسوله عنه وأنه من جنس أقوال أهل التحريف والإلحاد

وبهذا احتج الملاحدة كابن سينا وغيره علي مثبتي المعاد وقالوا: القول في نصوص المعاد كالقول في نصوص التشبيه والتجسيم وزعموا أن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يبين ما الأمر عليه في نفسه لا في العلم بالله تعالي ولا باليوم الآخر فكان الذي استطالوا به علي هؤلاء هو موافقتهم لهم علي نفي الصفات وإلا فلو آمنوا بالكتاب كله حق الإيمان لبطلت معارضتهم ودحضت حجتهم

ولهذا كان أبن النفيس المتطبب الفاضل يقول: ليس إلا مذهبان: مذهب أهل الحديث أو مذهب الفلاسفة فأما هؤلاء المتكلمون فقولهم ظاهر التناقض والاختلاف يعين أن أهل الحديث أثبتوا كل ما جاء به الرسل وأولئك جعلوا الجميع تخيلا وتوهيما ومعلوم بالأدلة الكثيرة السمعية والعقلية فساد مذهب هؤلاء الملاحدة فتعين أن يكون الحق مذهب السلف أهل الحديث والسنة والجماعة

ثم إن ابن سينا وأمثاله من الباطنية المتفلسفة والقرامطة يقولون: إنه أراد من المخاطبين أن يفهموا الأمر علي خلاف ما هو عليه وأن يعتقدوا ما لا حقيقة له في الخارج لما في هذا التخييل والاعتقاد الفاسد لهم من المصلحة

والجهمية والمعتزلة وأمثالهم يقولون: إنه أراد أن يعتقدوا الحق علي ما هو عليه مع علمهم بأنه لم يبين في الكتاب والسنة بل النصوص تدل علي نقيض ذلك فأولئك يقولون: أراد منهم اعتقاد الباطل وأمرهم به وهؤلاء يقولون: أراد اعتقاد ما لم يدلهم إلا علي نقيضه

والمؤمن يعلم بالاضطرار أن كلا القولين باطل ولا بد للنفاة أهل التأويل من هذا أو هذا: وإذا كان كلاهما باطلا كان تأويل النفاة للنصوص باطلا: فيكون نقيضه حقا وهو إقرار الأدلة الشرعية علي مدلولاتها ومن خرج عن ذلك لزمه من الفساد ما لا يقوله إلا أهل الإلحاد

وما ذكرناه من لوازم قول التفويض: هو لازم لقولهم الظاهر المعروف بينهم إذ قالوا: إن الرسول كان يعلم معاني هذه النصوص المشكلة المتشابهة ولكن لم يبين للناس مراده بها ولا أوضحه إيضاحا يقطع به النزاع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير