خامساً: القول بأن الطواف بالقبور والسجود لها إذا وقع من المسلم لا يكون كفراً ولا شركاً بل هو تعظيم لشعائر الله!! قول باطل. فالقبور المرفوعة ليست من شعائر الله بل من شعائر الشرك ولذلك جاء الإسلام بهدهما وتسويتها بالأرض كما في صحيح مسلم من حديث أبي الهياج الأسدي أن علي بن أبي طالب قال له: [ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله. ألا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته ولا تمثالاً إلا طمسته] وتعظيم الصالحين بتصوير صورهم ونصب أنصاب لهم هو أساس شرك العالم، فإن أول ما وقع من الشرك في قوم نوح كان سببه تصوير صور الصالحين ونصبها كما جاء في قوله تعالى: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً} قال ابن عباس هم أسماء الرجال الصالحين من بين آدم ونوح صوروا لهم صوراً فمع تقدم العهد عبدت من دون الله.
وفي الصحيح أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رآتاها بأرض الحبشة فيها من الصور والتماثيل. فقال الرسول: [أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره وصوروا هذه الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة].
وفي الصحيح عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله لما نزل به جعل يطرح خميصةً له عن وجهه فإذا أغتم كشفها ويقول: [لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد] (يحذر ما صنعوا) فالمسلمون إذا فعلوا أعمال الشرك التي أشرك بها من قبلهم أصبحوا بذلك مشركين مثلهم.
والحاصل أن البناء على القبور وتعظيمها ليس من شعائر الله، بل هي من شعائر المشركين، وتعظيمها بالبناء والإسراج والرفع هو ذريعة إلى الشرك بالله. وأما الطواف بها والذبح لها والنذر لها والسجود إليها كل ذلك من الشرك بإجماع الأمة.
سادساً: الطواف بالقبور ليس من شعائر الله بل فيه جرائم متعددة؛ فهو يجمع بين الكفر والشرك والمحادة لأمر الله وأمر رسوله، وتشريع ما لم يأذن به الله، وتعظيم غيره بما لم يُشرع إلا لتعظيمه وهو الطواف.
فإن الله قد شرع الطواف ببيته فقط تعظيماً له سبحانه وتعالى، قال تعالى لإبراهيم وإسماعيل: {وطهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} وقال تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق} وهو ركن من أركان الحج شرعت له الطهارة كما قال صلى الله عليه سلم: {الطواف صلاة غير أنه أُذٍنَ لكم أن تتكلموا فيه}.
ولم تشرع عبادة الطواف إلا حول بيت الله سبحانه وتعالى، فمن وضع مكاناً للطواف غير البيت فقد حاد الله ورسوله، وشرع ما لم يشرعه الله ورسوله، وقد كَفر المسلمون الحلاج لما صنع في بيته كعبة يطاف بها، فمن زعم أنه يطاف بمكان غير الكعبة طواف عبادة، وإن زعمها لله فهو مبتدع بدعة تكفره وتخرجه من الإسلام لأنه شرع من الدين ما لم يأذن به الله، وحاد الله وحاد رسوله، وهذه أول الجرائم، وأما من جعل الطواف حول القبر تعظيماً له فقد أشرك بالله لأنه صرف عبادة لا تجوز إلا لله فجعلها لغيره.
والعجب أن سماحة المفتي قد عرف الشرك بقوله: "أما الشرك فهو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله على الوجه الذي لا ينبغي إلا لله تعالى حتى لو كان ذلك بغرض التقرب إلى الله تعالى" وهذا تعريف صحيح لمعنى الشرك، فمن جعل الطواف الذي لا يجوز إلا الله جعله لغيره، فهو مشرك.
والجريمة الثالثة أن المقابر والمشاهد المنصوبة التي أمرنا الله تعالى بهدمها وتسويتها بالأرض، فالذي يطوف حول القبر يعظم مكاناً ونصباً أمرنا بهدمه وإزالته فهو معاندٌ محادٌ لله ورسوله.
سابعاً: قول سماحة المفتي إن المسلم عندما يطوف بهذه القبور يعظم من أمر الله بتعظيمه: "التقرب إلى الله تعالى بكل ما شرعه سبحانه ويدخل في ذلك تعظيم كل ما عظمه الله تعالى من الأمكنة والأزمنة والأشخاص والأحوال، فيسعى المسلم مثلاً للصلاة في المسجد الحرام والدعاء عن قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم والملتزم تعظيماً لما عظمه الله سبحانه وتعالى من الأماكن، ويتحرى قيام ليلة القدر والدعاء في ساعة الإجابة يوم الجمعة وفي ثلث الليل الأخير تعظيماً لما عظمه الله سبحانه وتعالى من الأزمنة، ويتقرب إلى الله تعالى بحب الأنبياء والصالحين تعظيماً لمن عظمه الله من الأشخاص، ويتحرى الدعاء حال السفر وعند نزول الغيث وغير ذلك تعظيماً لما عظمه الله من الأحوال" وهكذا وكل هذا داخل في
¥