[دروس إيمانية]
ـ[عبدالعزيز السريهيد]ــــــــ[23 - 03 - 10, 12:47 ص]ـ
مواقف العصا مع موسى والدروس الإيمانية:
الموقف الأول:
لما نادى الله – عز وجل – موسى في الوادي المقدس، تفاجأ بسؤال من الله غريب (وما تلك بيمينك يا موسى) سؤال العالم بالشئ، والمقصود منه تقرير موسى بالأمر. فرد موسى بجواب ينم حبه لعصاه وتعلقه بها.
(قال هي عصاي) فأضاف العصا إلى نفسه، ولم يقل هذه عصا، بل عصاي.
ثم أخذ موسى يستعرض مزايا هذه العصا الحبيبة إلى قلبه عليه السلام:
(أتوكؤا عليها): أي أتحامل عليها في المشي. (وأهش بها على غنمي) (ولي فيها مآرب أخرى): أي حوائج.
فهذه عدة منافع تبين مقدار هذه العصا عند موسى ومكانتها.
روى ميمون بن مهران عن ابن عباس: (إمساك العصا سنة للأنبياء، وعلامة للمؤمن).
أراد الله عز وجل أن يفرغ قلب موسى من كل شي يشغله حتى ولو كان أمرا يسيرا، فأمر موسى بأن يلقي العصا (ألقها) ولم يقل: ضعها، أو اتركها وإنما أمره بأن يلقيها ويلقي كل شي يشغل موسى عما سيأتي بعد قليل من أوامر وتوجيهات وتعليمات ربانية حتى تجد قلبا خاليا من كل ما يشغله.
لما ألقى العصا تحولت بقدرة الله إلى حية ضخمة تسعى بسرعة قوية، فأصاب الخوف والهلع موسى فولى هاربا ولم يعقب لشدة ما رآه وهول ما شاهده. ولكن ما إن سمع الأمر بالرجوع وعدم الخوف حتى عاد أدراجه ليستجيب لأمر الله في العود، كما استجاب لأمر الله في إلقاء العصا بل استجاب في أخذ الحية وهو خائف. وقد أعادها الله سيرتها الأولى بعد ذلك.
ثم أمره بالذهاب إلى فرعون ومعه أخاه هارون بل ومعه عصاه الحبيبة التي سيكون لها مواقف عظيمة.
الدروس من هذا الموقف:
1 – لقد أراد الله أن يربي موسى تربية إيمانية في هذا الموقف العظيم.
2 – تربيته على السمع والطاعة لله وامتثال أوامره سبحانه: بإلقاء العصا، والرجوع بعد مشهد الخوف المفزع من الحية، وأخذه للعصا وهي حية مع خوفه استجابة لأمر الله.
3 – تقوية جانب الثقة بالله لديه: فقد ذهب إلى فرعون مع أنه عدوه وقد قتل منهم نفسا، وهو وقومه أعداء لفرعون.
تأمل: ((موسى في هذا الموقف خاف وهرب)).
الموقف الثاني:
دخل موسى على فرعون بعزة وثقة بالله مكرما بالرسالة ومعه دليل على صدقه، دليل متعلق بذاته عليه السلام وهي اليد التي أخرجها من جيبه فإذا هي بيضاء، ودليل خارجي هي تلك العصا الحبيبة إليه التي تحولت أمام فرعون الحقير إلى حية عظيمة. إلا أن الفاجر عاند وكابر وادعى أن هذا سحر وأن لديه من السحرة ما يبطلون سحرك يا موسى كما يزعم.
جمع فرعون السحرة في ذلك اليوم المشهود فألقى السحرة حبالهم وعصيهم فإذا هي حيات وثعابين تتحرك أمام ناظري موسى الذي خاف مما رأى. إلا أن موسى ألقى عصاه الحبيبة فأخذت تلقف ما ألقاه السحرة فبطل سحرهم وتبين لهم صدق موسى.
الدروس من هذا الموقف:
1 – عند الدعوة إلى الله على الداعية أن يحاول بشتى السبل المشروعة دعوة الناس إلى الحق، فموسى لم ييأس من هداية فرعون لما أنكر معجزتين عظيمتين فقد كان عند موسى أمل في هداية فرعون وتصديقه، فكان الموقف مع السحرة الذي بطل فيه سحرهم، ولكنه كابر وعاند، ومع ذلك جاءت فرعون مع هذه تسع آيات لعله أن يؤمن ولكن الشقي كتبت عليه الضلالة.
2 – التربية الإيمانية في الموقف الأول آتت أكلها فنجد موسى في هذا الموقف خاف ولكنه لم يهرب كما فعل في ذلك الموقف. مع أنه رأى في الموقف الأول ثعبانا واحدا، وفي هذا الموقف رأى ثعابين وحيات كثر – خيل إليه -.
3 – لم تتزعزع ثقة موسى بالله ولا بالحق الذي جاء به على الرغم من سخرية فرعون بمعجزات موسى، وهكذا المؤمن الداعية عليه أن لا يتثبط عند سخرية الناس به وبما يدعو إليه وليكن على ثقة بدعوته وبمن يدعو الناس إلى عبادته.
4 – الباطل له صولته ولأهله سطوتهم وكثرتهم وعدتهم ولكن على المؤمن أن يثبت ولا يهاب لأن الله ناصره ومظهر الحق مهما طال ليل الظلام.
الموقف الثالث:
لما هرب موسى ببني إسرائيل قطع البحر الطريق عليهم فالتفت قوم موسى فإذا فرعون من خلفهم بجيش جرار عظيم فخاف وفزع القوم وقالوا: إنا لمدركون. إلا أن موسى ثبت ولم يتزعزع ولم يقل إلا كلمة واحدة: إن معي ربي سيهدين. وسكت بعدها وهو في قمة التوكل والثقة بالعزيز القوي سبحانه.
وفي وسط هذا الوضع المخيف لأتباعه جاء الأمر إلى موسى بأن يضرب البحر بعصاه ليرفع موسى العصا بدون تردد لتهوي العصا على ماء البحر لتقوم بدور عظيم تكون فيه سببا في نجاة المؤمنين فانفلق البحر فكان كالجبلين العظيمين وما بينهما يابس لا طين ولا ماء فيه.
ولما خرج بنو إسرائيل وتكامل عدد فرعون وجيوشه في وسط ما كان بحرا رفع موسى عصاه مرة أخرى لتهوي على البحر لينطبق على هذه الجيوش الجرارة لتكون سببا في هلاك هذا الطاغية ومن معه.
الدروس من هذا الموقف:
1 – العصا التي ألقاها موسى في الموقف الأول وخيل لمن قرأ ذلك أن العصا انتهى دورها إلا أن مصاحبة الصالحين تشمل من كان معهم فبركة موسى شملت حتى هذه العصا الحقيرة قيمة ومكانة في نظر الناس.
فعليك إيه المسلم بمصاحبة ومجالسة الصالحين فعليهم تتنزل الرحمات والمكرمات من رب السماوات، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، كما ينزل الغضب بأهل المعاصي والمخازي و تشملهم اللعنات.
2 – في هذا الموقف ترقى إيمان موسى في أعلى الدرجات ففي هذا الموقف لم يخف ولم يهرب بل ثبت ثبوت الجبال الرواسي عليه السلام
3 – هلاك فرعون العظيم كان بسبب عصا حقيرة لا وزن لها ولا قيمة مقارنة بجيوش فرعون اللعينة ولكن الله يفعل ما يريد.
4 – على المسلم أن يحرص على تقوية إيمانه وأن يترقى في مراتب الإيمان إلى أن يصل أعلى درجات الإيمان.
5 – من مواقف موسى الثلاثة دليل أن الإيمان كما أنه ينقص فهو يزيد كذلك بالطاعات.
كتبه:
عبدالعزيز بن محمد السريهيد