قلت: وهذا النص من كلام خاتمة المجتهدين والمحدِّثين البحر الزخَّار العَلَم العلامة الحجة فخر الإمامية المولى محمد باقر المجلسي, وهو غني عن التعريف, ولو لم يكن له إلا كتابه الكبير الضخم؛ الذي يعد موسوعة الموسوعات؛ أعني كتاب (بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار) = (110 مجلداً)؛ أقول: لو لم يكن له إلا هذا الكتاب؛ فحسبه منه جلالةً ورفعةً وعلوَّ قدْر عند الطائفة الإمامية الإثني عشرية, ناهيك عن (مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول) = (26 مجلداً) وغيرها من كبريات المصنفات.
وكلامه المتقدم في غاية الخطورة والإشكال عندي وعند كل إمامي ينكر قول طائفته بتحريف كتاب الله تعالى -فيما أحسبُ- ..
وإيضاحُهُ:
إن العلامة المجلسي الذي وصفنا لك بعض شأنه, وعلوَّ قدْره في العلوم شتى, وفي علم الحديث خاصَّة؛ يقررُ تواتر أمور كبيرة مرتبطة بالطائفة الإمامية الإثني عشرية؛ من مثل: تواتر أخبار الإمامة, وتواتر أخبار التحريف الصريحة؛ بل جعل طرحَ أخبار التحريف الصريحة المتواترة موجباً لرفع الاعتماد على الأخبار بأسرها, وهذا لازم خطير جداً جداً جداً؛ يدلُّ على شدَّة تواتر أخبار التحريف, وأقل ما يقال عنده: إن أخبار التحريف لا تقصر عن أخبار الإمامة؛ فكلا الأمرين متواتر بنفس القوَّة!
فهذه نقطة البدء, وهي التسليم بثبوت تواتر أخبار التحريف الصريحة, وهذا الأصل لا يُسمح لأحد كائناً من كان أن يغمزَ فيه؛ فضلاً عن أن يبطله ويردَه؛ لأن التواتر من جملة اليقينيات التي لا تُردُّ ولا تَتعارض؛ فاليقينيُّ أمرٌ ثابت في نفسه لا يضرُّه جحود جاحد, ولا مشاغبة مشاغب, والتواتر أمرٌ يحصل في النفس ضرورةً, ولا يُستطاع دفعه؛ فكما يَتحصَّلُ للإمامي الإثني عشري تواترَ أخبار الإمامة؛ فكذلك الأمر بالنسبة لأخبار التحريف؛ فكيف إذا علمتَ أن الحكم بالتواتر منشأهُ ممن تبحَّر في علم الأخبار حتى صار بحراً, وممن لو أرادتْ طائفتُه استيفاء حميد وصفه ومدحه لاستغرقت دهراً؛ فلا شك أن الأمر أشدُّ وآكدُ.
ولا يخفاكَ – أنار الله قلبك بالهدى- أن القول باستفاضة أو تواتر أخبار التحريف كان قد قال به غير واحد من أئمة الطائفة؛ كالشيخ المفيد الذي قال بالاستفاضة, وكأبي الحسن العاملي, ونعمة الله الجزائري, والسيد عدنان البحراني الذين قالوا بالتواتر, وغيرهم؛ فالمسألة ليست محصورةً بالإمام المجلسي فقط؛ بل ولا يجوز حصرها به؛ لأن التواتر أمرٌ يُعرف ويشتهر, ولا يتأتَّى كتمه وإخفاءه لمن أرادَه.
أما النقطة الثانية فهي توضيح مراد الإمام المجلسي بالتحريف في هذا المقام, وهو واضح, ولكننا نزيد إيضاحه لمن تلتبس عليه الواضحات عند نظره في مثل هذه التصريحات!!
قال الإمام المجلسي: ((فالخبر صحيح ولا يخفى أن هذا الخبر, وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره))
فالأخبار عند هذا الإمام صريحةٌ في أمرين:
1 - نقص القرآن.
2 - تغيير القرآن.
وهذا الأمران هما التحريف المذموم بعينه, وإن شئتَ أن نقْصُرُ لك التحريف على الثاني, وهو التغيير؛ فلك ذلك من باب التنزل فقط, وحتى لا تظنّ أننا استظهرنا مراده بالتحريف من هاذين الأمرين فحسب؛ فإني أُذَكِّرُكَ بكلمة الإمام المجلسي الأخرى, وهي قوله:
((فإن قيل: إنه يُوجب رفع الاعتماد على القرآن لأنه إذا ثبت تحريفه ففي كل آية يحتمل ذلك ... )).
فتأمَّل طويلا في قوله: ((تحريفه))؛ فهي منطوق صريح!
فالمسألة مسألة تحريف صريح كتاب الله الذي بين أيدينا المشار إليه في كلام المجلسي بـ (هذا القرآن)!
ويؤكدهُ أيضاً أنه أوردَ إشكالاتٍ لا تَرِد إلا إن قصد التحريف بمعنى النقص والتغيير, وهو قوله: ((فإن قيل: إنه يوجب رفع الاعتماد على القرآن لأنه إذا ثبت تحريفه ففي كل آية يحتمل ذلك ... ))؛ فلا شيء يُوجب رفع الاعتماد على القرآن إلا إن وقع به التحريف الصريح المذموم في المضمون (نقصاً, وتغييراً) , والذي يفضي إلى الشكِّ في كل آية من القرآن؛ لاحمتال وقوع التحريف فيها, وهو وارد جداً على هذا المذهب!
ويزيده توكيداً أن الإمام المجلسي وصفَ الأجوبة التأويليَّة لهذا الإشكال بـ (التكلُّفات الركيكة) , وهو وصف ينبي عن استقرار القول بالتحريف الصريح المذموم عنده, كيف لا والأمر من اليقينيات التي لا تُدفع ولا تُرفع؟!
¥