حتى الذين اشتهروا بالزندقة والضلال والخُبث، عند موتهم اعترفوا بتضييع أيامهم فيما منَّوا به أنفسهم من ذلك الكفر العظيم، ومن هؤلاء الصوفي الضال القائل بوحدة الوجود المشهور بابن الفارض قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: وابن الفارض – من متأخري الاتحادية – صاحب التائية المعروفة» بنظم السلوك «وقد نظم فيها الاتحاد نظماً رائق اللفظ، فهو أخبثُ من لحم خِنزير في صينيةٍ من ذهب، وما أحسنَ تسميتها» بنظم الشكوك «،لَمَّا حضرتهُ الوفاة أنشدَ:إن كانَ منزلتيْ في الحُبِّ عندَكمُ ما قد لقيتُ فقد ضيعتُ أيامي أُمنيةً ظَفِرتْ نفسي بها زمناً واليومَ أحسَبُها أضغاثُ أحلامي [مجموع الفتاوي (4/ 73 - 74)]
ولذلك كاد الإمام الشوكاني أن ينزلق في طريق أولئك المتكلمين أهل الحيرة والشك، ولكنه بفضل الله تعالى رمي بذلك ولزم مذهب السلف أهل السنة والجماعة، ولذلك قال عن نفسه:» واعلم أني عند الاشتغال بعلم الكلام وممارسة تلك المذاهب والنحل لم أزدد بها إلا حيرةً، ولا استفدتُ
منها إلا العلم بأن تلك المقالات خُزعبلات، فقلت إذ ذاك مُشيراً إلى ما استفدته من هذا العلم:
وغايةُ ما حصَّلتُهُ من مباحثي ومن نظري من بعدِ طولِ التَّدبُّرِ
هو الوقفُ ما بينَ الطريقينِ حيرةً فما عِلمُ من لم يلقَ غيرَ التحيُّرِ
على أنني قد خُضتُ منه غِمارهُ وما قنعتْ نفسي بدونِ التَّبَحُّرِ
وعن هذا رميتُ بتلك القواعد من حالق، وطرحتها خلفَ الحائط، ورجعتُ إلى الطريقة المربوطة بأدلة الكتاب والسنة، المعمودة بالأعمدة التي على أوثقِ ما يعتمدُ عليه عباد الله وهم الصحابة ومن جاء بعدهم من علماء الأمة المقتدِين بهم السالكين مسالكهم، فطاحت الحيرة، وانجابت ظُلمة العماية،
وانقشعت وانكشفت ستور الغواية ولله الحمد … «[أدب الطلب ومنتهى الأرب (ص 146 – 147)]
فليت كل المخالفين لمنهج السلف أن يعودوا إليه مذعنين، ومما يخالفه تاركين، وأن يفعلوا كما فعل هؤلاء الأئمة الصالحين، من التمسك بسبيل الصحابة وأتباعهم من المؤمنين أتباع سيد المرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ولذلك كل من خالف عن سبيل السلف فإنه يوجد عنده من الخطأ بقدر ما خالف فيه سواءً كان من المنتسبين للعلم أم من آحاد الناس، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:» ولهذا يوجد في كلام الرازي وأبي حامد ونحوهما من الفلسفة ما لا يوجد في كلام أبي المعالي وذويه، ويوجد في كلام الرازي وأبي المعالي وأبي حامد من مذهب النفاة المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي الحسن الأشعري وقُدماء أصحابه، ويوجد في كلام أبي الحسن الأشعري من النفي الذي أخذه من المعتزلة مالا يوجد في كلام أبي محمد ببن كُلاَّب الذي أخذ أبو الحسن طريقته، ويوجد في كلام ابن كُلاَّب من النفي الذي قارب فيه المعتزلة مالا يوجد في كلام أهل الحديث والسنة والسلف والأئمة، وإذا كان الغلط شبراً صار في الأتباع ذراعاً ثم باعاً حتى آل هذا المآل فالسعيدُ من لزم السنة … «[بُغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية أهل الإلحاد من القائلين بالحلول والاتحاد ص 451 وتُعرف بالسبعينية]
قال الإمام عبدالرحمن بن أحمد الكمالي في منظومته شهود الحق:
تَمسَّك بدينِ اللهِ دينِ نبيِّهِ وعُضَ عليهِ بالنواجذِ تَسعدِ
وعانقْ كِتابَ الله ما دُمتَ واجداً لهُ فقريبٌ رفعُهُ وكأنْ قَدِ
وقدْ رُفعتْ أحكامُهُ عندَ بعضهمْ ألَمَّا يكن ذا الرفعِ سُبحانَ سيدي
وصاحبْ حديثَ المصطفى مثلَ صحبهِ وإن لم تكن تقوى فقارب وسددِ
ولا تكُ من قومٍ أتتْ وتَفرَّقتْ بهمْ سُبُلٌ دون السبيلِ المُسَدَّدِ
وبعضهمُ في آخرِ العُمرِ قالَ قدْ أضعتُ نَفيسي في سرابٍ بِمَبْعَدِ
ألم يُغنني قول الإلهِ وأحمدٍ عنَ أقوال غيرٍ من بعيدٍ وأبعدِ
إلهي كأيمانِ العجائزِ جُدْ فقدْ وصلنَ ولمْ أسلمْ من اسر التَّبَعُّدِ
فيا ليت شعري هلْ نجا قبلَ موتهِ من الأسرِ أمْ كانَ اعتباراً لمُهتدِ
[منظومة شهود الحق ص 160 – 162]
¥