تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

جميعِ خلقهِ بلا كيفٍ، وَهُوَ فِي كُلِّ مكانٍ بِعِلْمِهِ لاَ بِذَاتِهِ. إِذْ لاَ تحويهِ الأماكنُ، لأنَّهُ أعظمُ منهَا، قَدْ كَانَ وَلاَ مكانَ».

ثمَّ سردَ كلامًا طويلًا إِلَى أنْ قَالَ: «فلمَّا أيقنَ المنصفونَ إفرادَ ذِكْرِهِ بالاستواءِ عَلَى عَرْشِهِ بعدَ خلقِ سماواتِهِ وأرضِهِ، وتخصيصِهِ بصفةِ الاستواءِ، عَلِمُوا أنَّ الاسْتِوَاءَ هنا غيرُ الاستيلاءِ ونحوِهِ، فأَقَرُّوا بوصفِهِ بالاستواءِ عَلَى عرشهِ، وأنَّهُ عَلَى الحقيقةِ لاَ عَلَى المَجازِ، لأنَّهُ الصَّادقُ فِي قِيْلِهِ، وَوَقَفُوا عنْ تكييفِ ذَلِكَ وتمثيلِهِ، إذْ لَيْسَ كمثلِهِ شيءٌ» [23].

73 - مَعْمَرُ بنُ زيادٍ (418هـ)

قالَ الإمامُ العارفُ أبو منصور مَعْمَرُ بن أحمد بن زياد الأصبهاني رحمه الله: «أحببتُ أنْ أوصيَ أصحابي بوصيةٍ مِنَ السنَّةِ، وأجمعُ ما كانَ عليهِ أهلُ الحديثِ والأثرِ، وأهلُ المعرفةِ والتَّصوفِ»، فذكرَ أشياءَ إلى أنْ قالَ فيهَا: «وأنَّ الله استوى على عَرْشِهِ بلا كَيْفٍ ولا تَشْبِيهٍ ولا تأويلٍ، والاستواءُ معقولٌ والكيفُ فيهِ مجهولٌ، وأنَّهُ عزَّ وجلَّ بائنٌ منْ خلقهِ، والخلقُ منهُ بائنونَ بلا حلولٍ ولا مُمَازَجَةٍ، ولا اختلاطٍ ولا مُلاَصَقَةٍ، وأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ينزلُ كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدُّنيا كيفَ يشاءُ فيقولُ: «هَلْ منْ دَاعٍ فأستجيبَ لهُ؟ حتىَّ يَطْلُعَ الفَجْرُ»، ونزولُ الرَّبِّ إلى السَّماءِ بلا كَيْفٍ ولا تَشْبِيهٍ، ولا تَأْوِيلٍ، فمَنْ أَنْكَرَ النُّزُولَ أو تَأَوَّلَ فهوَ مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ» [24].

74 - أبو القاسم اللاَلكَائِيُّ (418هـ)

قَالَ الإمامُ الحافظُ أبو القاسم هبةُ الله بن الحسن الطبري الشافعي مصنِّف كتاب «شرح اعتقاد أهل السنّة» وَهُوَ مجلَّدٌ ضخمٌ:

«سياقُ مَا رُوي فِي قوله تَعَالَى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5] وأنَّ اللهَ عَلَى عَرْشِهِ فِي السَّمَاءِ:

قَالَ عزَّ وجلَّ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10].

وقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} [الملك: 16].

وقال: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} [الأنعام: 16].

فدلَّتْ هذهِ الآيةُ أنَّهُ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ وعِلْمُهُ مُحِيطٌ بكلِّ مكانٍ مِنْ أرضهِ وسمائهِ.

ورُوي ذَلِكَ مِنَ الصَّحابة: عنْ عمرَ وابنِ مسعودٍ وابنِ عبَّاسٍ وأمِّ سلمة رضي الله عنهم.

ومِنَ التَّابعين: ربيعة بن أبي عبد الرَّحْمن وسليمان التيمي ومقاتل بن حيَّان.

وبهِ قَالَ مِنَ الفقهاءِ: مالكُ بنُ أنسٍ وسفيانُ الثوريُّ وأحمدُ بنُ حنبل» [25].

75 - السُّلطانُ (421هـ)

قال أبو علي بن البنَّاء: «حكى عليُّ بن الحسين العكبري أنَّهُ سمعَ أبا مسعودٍ أحمدَ بنَ محمد البجلي قال: دخلَ ابنُ فورك على السُّلطانِ محمود [26]، فقالَ: لا يجوزُ أنْ يُوصفَ اللهُ بالفوقيَّةِ لأنَّ لازمَ ذلكَ وصفُهُ بالتَّحتيَّةِ، فمنْ جازَ أنْ يكونَ لهُ فوقٌ، جازَ أن يكونَ له تحتٌ. فقال السُّلطانُ: ما أنا وصفتُهُ حتَّى يُلْزِمَنِي، بلْ هوَ وَصَفَ نَفْسَهُ. فبُهتَ ابنُ فورك، فلمَّا خرجَ مِنْ عندهِ ماتَ. فيقالُ: انشقَّتْ مَرارَتُه» [27].

76 - يحيى بنُ عمَّارٍ (422هـ)

قال المفسِّرُ الحنبليُّ يحيى بنُ عمَّارٍ رحمه الله: «كلُّ مسلمٍ منْ أوَّلِ العصرِ إلى عصرنَا هذا إذا دعَا اللهَ سبحانهُ رفعَ يدَيْهِ إلى السَّماءِ. والمسلمونَ منْ عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، يقولونَ في الصَّلاةِ ما أمرهمُ الله تعالى بهِ في قولهِ تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *} [الأعلى: 1].

ولا حاجةَ لله سبحانه وتعالى إلى العرشِ، لكنَّ المؤمنينَ كانوا محتاجينَ إلى معرفةِ ربِّهم عزَّ وجلَّ. وكلُّ منْ عبدَ شيئًا أشارَ إلى موضعٍ، أوْ ذكرَ مِنْ معبودهِ علامةً. فجبَّارُنَا وخالِقُنا، إنَّما خَلَقَ عرشَهُ ليقولَ عبدهُ المؤمنُ، إذا سُئلَ عنْ ربِّهِ عزَّ وجلَّ أينَ هوَ الرحمنُ؟ عَلَى العَرْشِ اسْتَوىَ، معناه فوقَ كُلِّ مُحْدَثٍ عَلَى عَرْشِهِ العظيمِ، وَلاَ كيفيَّةَ وَلاَ شَبَهَ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير