تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأنَّ اللهَ بائنٌ مِنْ خَلْقِهِ والخلقُ بَائِنُونَ منهُ. لاَ يَحِلُّ فيهمْ وَلاَ يَمْتَزِجُ بهم وَهُوَ مستوٍ عَلَى عرشِهِ فِي سمائِهِ، دونَ أرضِهِ وخَلْقِهِ» [1].

وقالَ فِي كتابهِ «محجَّةُ الواثقينَ ومدرجةُ الوامقينَ»: «وأجمعوا أنَّ اللهَ فَوْقَ سماواتِهِ، عالٍ عَلَى عرشِهِ، مُسْتَوٍ عليهِ، لاَ مُسْتَولٍ عَلَيهِ كَمَا تقولُ الجهميَّةُ: إنَّهُ بكلِّ مكانٍ، خلافًا لما نزلَ فِي كتابهِ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16]. {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]، {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]» [2].

80 - عبدُ الله بن يوسف الجوينيُّ (438هـ)

قَالَ الشَّيخُ العالمُ العلَّامةُ أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني والدُ إمامِ الحرمينِ رحمه الله فِي «رسالةٍ فِي إثباتِ الاسْتِوَاءِ والفوقيَّةِ» [3]: ...

كنتُ أخافُ مِنْ إطلاقِ القولِ بإثباتِ العلوِّ، والاستواءِ، والنزولِ، مخافةَ الحصرِ والتَّشبيهِ، ومَعَ ذلكَ فإذا طالعتُ النُّصوصَ الواردةَ فِي كتابِ الله وسنَّةِ رسولهِ صلى الله عليه وسلم، أجدهَا نصوصًا تشيرُ إِلَى حقائقِ هذهِ المعاني، وأجدُ الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم، قدْ صرَّحَ بهَا مخبرًا عنْ ربِّهِ، واصفًا لهُ بها، وأَعلمُ بالاضطرارِ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يحضرُ فِي مجلسهِ الشريفِ العالمُ والجاهلُ، والذكيُّ والبليدُ، والأعرابيُّ والجافي، ثمَّ لا أجدُ شيئًا يعقِّبُ تلكَ النُّصوصَ، التي كانَ يصفُ ربَّهُ بها، لا نصًّا وَلاَ ظاهرًا، ممَّا يصرفُها عنْ حقائقها، ويؤوِّلها كَمَا تأوَّلها ... مشايخي الفقهاءِ المتكلِّمينَ مثلُ تأويلهم الاستواءَ بالاستيلاءِ، وللنزولِ بنزولِ الأمرِ وغيرِ ذلكَ. ولم أجدْ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ كانَ يحذِّرُ النَّاسَ مِنَ الإيمان بما يظهرُ مِنْ كلامهِ فِي صفتهِ لربِّهِ مِنَ الفوقيَّةِ واليدين وغيرها، ولم ينقلْ عنهُ مقالة تدلُّ عَلَى أنَّ لهذهِ الصِّفاتِ معاني أُخَرَ باطنة، غير مَا يظهرُ منْ مدلُولِها، مثلُ فوقيَّةِ المرتبةِ، .. وغيرِ ذلكَ.

وأجدُ اللهُ عزَّ وجلَّ يقول: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد: 4]، {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50]، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]. {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ *} [الملك: 16 - 17]. {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} [النحل: 102]. {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأََظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: 36 - 37].

وهذا يَدُلُّ عَلَى أنَّ موسى أخبرهُ بأنَّ ربَّهُ تعالى فوقَ السَّماءِ ولهذا قالَ {وَإِنِّي لأََظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: 37].

وقوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ *} [المعارج: 4] الآية.

ثمَّ ساقَ جُمْلَةً مِنَ الأحاديثِ الدَّالةِ عَلَى عُلُوِّ الرحمنِ - إِلَى أنْ قَالَ:

إِذَا علمنا ذلكَ واعتقدناهُ، تخلَّصنا منْ شبهِ التَّأويلِ، وعماوةِ التَّعطيلِ، وحماقةِ التَّشبيهِ والتَّمثيلِ، وأثبتنا علوَّ ربِّنا سُبْحَانهُ وفوقيَّته، واستواءَهُ عَلَى عرشهِ، كَمَا يليقُ بجلالهِ وعظمتهِ، والحقُّ واضحٌ فِي ذلكَ والصُّدورُ تنشرحُ لهُ.

فإنَّ التَّحريفَ تأباهُ العقولُ الصَّحيحةُ، مثلُ تحريفِ الاسْتِوَاءِ: بالاستيلاءِ وغيرهِ، والوقوفُ فِي ذلكَ جهلٌ وعيٌّ، مع كونِ أنَّ الرَّبَّ تعالى وصفَ لنا نفسَهُ بهذهِ الصِّفاتِ لنعرفَهُ بها، فوقوفنا عنْ إثباتها ونفيهَا، عدولٌ عَنِ المقصودِ منهُ فِي تعريفنا إيَّاها، فما وصفَ لَنا نفسَهُ بها إلَّا لنثبتَ مَا وصفَ بِهِ نفسَهُ لنا، وَلاَ نقفُ فِي ذلكَ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير