تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذلكَ التَّشبيهُ والتَّمثيلُ حماقةٌ وجهالةٌ، فمنْ وفَّقهُ الله تعالى للإثباتِ بلا تحريفٍ، وَلاَ تكييفٍ، وَلاَ وقوفٍ، فقدْ وقعَ عَلَى الأمرِ المطلوبِ منهُ، إنْ شاءَ الله تعالى.

والذي شرحَ الله صدري، فِي حالِ هؤلاءِ الشيوخِ، الذين أوَّلوا الاسْتِوَاءَ: بالاستيلاءِ، والنزولَ: بنزولِ الأمرِ، واليدين بالنعمتين والقدرتينِ هو علمي بأنَّهم مَا فهموا فِي صفاتِ الرَّبِّ تعالى إلَّا مَا يليقُ بالمخلوقينَ، فما فهموا عَنِ الله استواءً يليقُ بهِ، وَلاَ نزولًا يليقُ به ولا يدينِ تليقُ بعظمتهِ بلا تكييفٍ وَلاَ تشبيهٍ، فلذلكَ حرَّفوا الكَلِمَ عنْ مواضعهِ، وعطَّلُوا مَا وصفَ الله تعالى نفسهُ بِهِ. ونذكرُ بيانَ ذلكَ إنْ شاءَ الله تعالى.

لا ريبَ إنَّا نحنُ وإيَّاهم متَّفقونَ عَلَى إثباتِ صفاتِ الحياةِ، والسَّمعِ، والبصرِ، والعلمِ، والقدرةِ، والإرادةِ، والكلامِ لله. ونحن قطعًا لا نعقلُ مِنَ الحياةِ إلَّا هَذَا العَرَض الّذي يقومُ بأجسامنا، وكذلكَ لا نعقلُ مِنَ السَّمعِ والبَّصرِ إلَّا أعراضًا تقومُ بجوارحنَا. فكمَا أنَّهم يقولونَ: حياتُه ليستْ بِعَرَضٍ، وعلمهُ كذلكَ، وبصرهُ كذلكَ، هي صفاتٌ كَمَا تليقُ بهِ، لا كَمَا تليقُ بنا. فكذلكَ نقولُ نحنُ: حياتهُ معلومةٌ وليستْ مُكيَّفةً، وعلمهُ معلومٌ وليسَ مُكيَّفًا، وكذلكَ سمعهُ وبصرهُ معلومانِ، لَيْسَ جميعُ ذلكَ أعراضًا بلْ هوَ كَمَا يليقُ بِهِ.

ومثلُ ذلكَ بعينهِ فوقيَّتهُ واستواؤهُ ونزولهُ، ففوقيَّته معلومةٌ، أعني ثابتة كثبوتِ حقيقةِ السَّمعِ وحقيقةِ البصرِ فإنَّهما معلومانِ وَلاَ يُكيَّفانِ، كذلكَ فوقيَّتهُ معلومةٌ ثابتةٌ، غيرُ مكيَّفةٍ كَمَا يليقُ بهِ، واستواؤهُ عَلَى عرشهِ معلومٌ غيرُ مُكيَّفٍ بحركةٍ أو انتقالٍ يليقُ بالمخلوقِ، بلْ كَمَا يليقُ بعظمتهِ وجلالهِ. صفاتهُ معلومةٌ منْ حيثُ الجملةِ والثبوتِ، غيرُ معقولةٍ منْ حيثُ التكييفِ والتحديدِ، فيكونُ المؤمنُ بِها مبصرًا منْ وجهٍ، أعمى منْ وجهٍ، مبصرًا منْ حيثُ الإثباتِ والوجودِ، أعمى منْ حيثُ التكييفِ والتحديدِ، وبهذا يحصلُ الجمعُ بينَ الإثباتِ لما وصفَ الله تعالى نفسَهُ بهِ، وبينَ نفيِ التَّحريفِ والتَّشبيهِ والوقوفِ، وذلكَ هو مرادُ الرَّبِّ تعالى منَّا فِي إبرازِ صفاتهِ لنا لنعرفهُ بها، ونؤمنُ بحقائقها وننفيَ عنهَا التَّشبيهَ، وَلاَ نعطِّلها بالتَّحريفِ والتَّأويلِ، وَلاَ فرقَ بينَ الاسْتِوَاءِ والسمعِ، وَلاَ بينَ النزولِ والبصرِ، الكلُّ وردَ فِي النَّصِّ.

فإنْ قالوا لنا: فِي الاسْتِوَاءِ شبَّهتم.

نقولُ لهم: فِي السَّمعِ شبَّهتم، ووصفتم ربَّكم بالعَرَض!!

فإنْ قالوا: لا عرض، بل كَمَا يليقُ بِهِ.

قلنا: فِي الاسْتِوَاءِ والفوقيَّةِ لا حَصْرَ، بلْ كَمَا يليقُ بهِ، فجميعُ مَا يلزمونَا بِهِ فِي الاستواءِ، والنزولِ، واليدِ، والوجهِ، والقدمِ والضحكِ، والتعجُّبِ مِنَ التَّشبيه، نلزمهمْ بِهِ فِي الحياةِ والسَّمعِ، فكمَا لا يجعلونها همْ أعراضًا، كذلكَ نحنُ لا نجعلهَا جوارحَ، وَلاَ مَا يوصفُ بِهِ المخلوقُ. وليسَ مِنَ الإنصافِ أنْ يفهموا فِي الاسْتِوَاءِ والنزولِ، والوجهِ، واليد صفاتِ المخلوقينَ فيحتاجوا إِلَى التَّأويلِ والتَّحريفِ.

فإنْ فهموا فِي هذه الصِّفاتِ ذلكَ فيلزمهم أنْ يفهموا فِي الصِّفاتِ السبعِ، صفاتِ المخلوقينَ مِنَ الأعراضِ!!

فما يلزمونَا فِي تلكَ الصِّفاتِ، مِنَ التَّشبيهِ والجِسْمِيَّةِ، نلزمهمْ بِهِ فِي هذهِ الصِّفاتِ مِنَ العرضيةِ، وما ينزَّهونَ ربَّهم بِهِ فِي الصِّفاتِ السَّبعِ، وينفونَ عنهُ عوارضَ الجسمِ فيها، فكذلكَ نحنُ نعملُ فِي تلكَ الصِّفاتِ، التي ينسبونا فِيهَا إِلَى التَّشبيهِ سواءٌ بسواءٍ.

ومنْ أنصفَ، عرفَ مَا قلنا واعتقدهُ، وقبلَ نصيحتنَا، ودانَ لله بإثباتِ جميعِ صفاتهِ هذهِ وتلكَ، ونفى عنْ جميعهَا التَّشبيهَ، والتَّعطيلَ، والتَّأويلَ، والوقوفَ.

وهذا مرادُ الله تعالى منَّا فِي ذلكَ، لأنَّ هذه الصِّفاتِ وتلكَ، جاءتْ فِي موضعٍ واحدٍ، وهو الكتابُ والسنَّةُ، فإذا أثبتنا تلكَ بلا تأويلٍ، وحرَّفنا هذهِ وأوَّلناها، كنَّا كمنْ آمنَ ببعضِ الكتابِ وكفرَ ببعضٍ، وفي هَذَا بلاغٌ وكفايةٌ إنْ شاءَ الله تعالى ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير