تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

97 - إسماعيلُ بنُ محمد التيميُّ الأصبهاني ُّ (535هـ)

قال رحمه الله في «كتاب الحجّة في بيان المحجَّة»: «بابٌ في بيانِ استواءِ الله عزَّ وجلَّ على العرشِ. قال الله عزَّ وجلَّ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، وقالَ في آيةٍ أخرى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: 255]، وقال: {الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]، وقال: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *} [الأعلى: 1] ...

قالَ أهلُ السنَّةِ: اللهُ فوقَ السَّماواتِ لا يَعْلُوهُ خَلْقٌ منْ خَلْقِهِ، ومِنَ الدَّليلِ على ذلكَ: أنَّ الخلقَ يُشِيرونَ إلى السَّماءِ بأصابِعِهِم، ويَدْعُونَهُ ويَرفَعُونَ إليه أبصارَهُم.

وقال عزَّ وجلَّ: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18]، وقال عزَّ وجلَّ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ *} [الملك: 16، 17]. والدليلُ على ذلكَ الآياتُ التي فيها ذكرُ إنزالِ الوحيِ.

ثمَّ عقدَ فصلًا في بيانِ أنَّ العرشَ فوقَ السَّماواتِ، وأنَّ الله عزَّ وجلَّ فَوْقَ العَرْشِ، ثمَّ ذكرَ آياتٍ وأحاديثَ دالَّةً على عُلُوِّ اللهِ ثمَّ قالَ:

قالَ علماءُ أهلِ السنَّةِ: إنَّ الله عزَّ وجلَّ على عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خلقهِ، وقالتِ المعتزلةُ: هوَ بذاتهِ في كلِّ مكانٍ، وقالتِ الأشعريةُ: الاستواءُ عائدٌ على العرشِ.

ولو كانَ كما قالوا، لكانتِ القراءةُ برفعِ العرشِ، فلمَّا كانتْ بخفضِ العرشِ دلَّ على أنَّهُ عائدٌ إلى الله تعالى.

وقالَ بعضُهم: استوى بمعنى استولى، قالَ الشاعرُ:

استوى بِشْرٌ على العراقِ منْ غيرِ سيفٍ ودمٍ مهراق [38]

والاستيلاءُ لا يُوصَفُ بهِ إلَّا منْ قدرَ على الشَّيءِ بعدَ العجزِ عنهُ. واللهُ تعالى لم يَزَلْ قادرًا على الأشياءِ ومستوليًا عليها. ألا ترى أنَّهُ لا يُوصَفُ بِشْرٌ بالاستيلاءِ على العراقِ إلَّا وهوَ عاجزٌ عنهُ قبلَ ذلكَ [39].

وزعمَ هؤلاءِ: أنَّ معنى قولهِ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، أي مَلَكَهُ، وأنَّه لا اختصاصَ لهُ بالعرشِ، أكثر ممَّا لهُ بالأماكنِ، وهذا إلغاءٌ لتخصيصِ العرشِ وتشريفهِ.

قالَ أهلُ السنَّةِ: خلقَ اللهُ السَّماواتِ والأرضَ، وكانَ عرشُهُ على الماءِ مخلوقًا قبلَ خلقِ السَّماواتِ والأرضِ، ثمَّ استوى على العرشِ، بعدَ خلقِ السَّماوات والأرضِ، على ما وردَ بهِ النَّصُّ، وليسَ معناهُ: المماسَّة، بل هوَ مُسْتَوٍ على عَرْشِهِ بلا كَيْفٍ، كمَا أخبرَ عنْ نفسهِ.

وزعمَ هؤلاءِ: أنَّهُ لا يجوزُ الإشارةُ إلى الله سبحانهُ بالرؤوسِ والأصابعِ إلى فوق، فإنَّ ذلكَ يوجبُ التَّحديدَ.

وقدْ أجمعَ المسلمونَ أنَّ الله هوَ العليُّ الأعلى، ونطقَ بذلكَ القرآنُ في قوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *} [الأعلى: 1].

وزعموا أنَّ ذلكَ بمعنى: علوِّ الغلبةِ، لا علوِّ الذَّاتِ. وعندَ المسلمينَ: أنَّ لله عزَّ وجلَّ عُلُوَّ الغَلَبَةِ، والعُلُوَّ منْ سائرِ وجوهِ العُلُوِّ، لأنَّ العلوَّ صفةُ مدحٍ، فثبتَ أنَّ لله تعالى علوَّ الذَّاتِ، وعُلُوَّ الصِّفاتِ، وعُلُوَّ القَهْرِ والغَلَبَةِ.

وفي منعهم الإشارةَ إلى الله سبحانهُ مِنْ جهةِ فوق، خلافٌ منهم لسائرِ المللِ؛ لأنَّ جماهيرَ المسلمينَ وسائرَ المللِ، قدْ وقعَ منهمُ الإجماعُ عَلَى الإشارةِ إِلَى اللهِ جَلَّ ثناؤهُ، منْ جهةِ الفوقِ فِي الدُّعاءِ والسؤالِ. فاتِّفاقهمُ بأجمعهمْ على ذلكَ حُجَّةٌ، ولمْ يَسْتَجِزْ أحدٌ الإشارةَ إليهِ منْ جهةِ الأسفلِ، ولا منْ سائرِ الجهاتِ، سوى جهةِ الفَوْقِ.

وقالَ الله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50]، وقالَ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، وقال: {تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4]» [40].

98 - عديُّ بنُ مسافر الأمويُّ الهكاريُّ (555هـ)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير