تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال رحمه الله في «اعتقاد أهل السنة والجماعة» له: «وأنَّ اللهَ على عَرْشِهِ بَائِنٌ منْ خَلْقِهِ، كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ في كِتَابِهِ وعلى لِسَانِ نَبِيِّهِ بلا كَيْفٍ، أحاطَ بكُلِّ شيءٍ علمًا وهو بِكُلِّ شيءٍ عليمٌ» [41].

99 - العلامةُ يحيى بنُ أبي الخير العمرانُّي (558هـ)

قال في كتابهِ: الانتصارُ في الردِّ على المعتزلةِ القدريةِ الأشرارِ:

«قدْ ذكرنَا في أوَّلِ الكتابِ أنَّ عندَ أصحابِ الحديثِ والسُّنةِ أنَّ الله سبحانهُ بذاتهِ، بائنٌ عَنْ خَلْقِهِ، على العرشِ استوى فوقَ السَّمواتِ، غيرَ مماسٍ لهُ، وعِلْمُهُ محيطٌ بالأشياءِ كلِّها.

وقالتِ الكرَّاميةُ: إنَّهُ مماسٌّ للعرشِ.

وقالتِ المعتزلةُ: إنَّ ذاتَ الله بكلِّ مكانٍ حتى بالحشوشِ وأجوافِ الحيوانِ.

قيلَ لبشرٍ المريسيِّ: فهوَ في جوفِ حماركَ هذا؟ قالَ: نعمَ، وهذا قولُ الحلوليَّةِ وهوَ كفرٌ صريحٌ لا إشكالَ فيهِ.

وقالتِ الأشعريةُ: لا يجوزُ وصفهُ بأنَّهُ على العَرْشِ ولا في السَّماءِ.

ثمَّ ذكرَ آياتٍ وأحاديثَ دالَّةً على عُلُوِّ اللهِ إلى أنْ قالَ:

ولأنَّ المسلمينَ مُجْمِعُونَ عندَ الدُّعاءِ على رَفْعِ أَبْصَارِهِمْ وأَكُفِّهِمْ إلى نَحْوِ السَّماءِ؛ فَدَلَّ على صَحَّةِ ما قلناهُ.

ويقالُ لهم: إذا لم يَكُنِ اللهُ فوقَ العَرْشِ بمعنًى يختصُّ بالعرشِ كمَا قالَ أصحابُ الحديثِ، وكانَ بكلِّ مكانٍ، فقولوا: إنَّهُ تحتَ الأرضِ والسَّماءُ فوقهَا فهوَ تحتَ التَّحْتِ وأنَّهُ فَوْقَ الفَوْقِ والأشياءُ تحتَهُ وهذا متناقضٌ.

فإنِ احتَجُّوا بقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7]، وبقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4].

فالجوابُ: أنَّ المرادَ بالآية {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ} [المجادلة: 7] أي منْ حديثٍ بَيْنَ ثلاثةٍ إلا هوَ رابعُهم بالإِحَاطَةِ والعِلْمِ لا في العَدَدِ لأنَّهُ واحدٌ لا منْ عَدَدٍ، ولا واحدٌ في معناه [42]، وكذلك المعنى في قوله تعالى: {وَلاَ خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة: 7]. إلى قوله {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7]، يريدُ بالإحاطةِ والعِلْمِ لا بالذَّاتِ والحُلُولِ.

يَدُلُّ على صحةِ هذا التأويلِ قولهُ تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ} [المجادلة: 7] الآية .. إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7] فبدأَ الآيةَ بالعِلْمِ وختمهَا بالعِلْمِ، فَدَلَّ على أنَّ المرادَ بذلك كُلِّهِ الإخبارُ عنْ عِلْمِهِ وإِحَاطَتِهِ بهم في جميعِ هذهِ الحالاتِ.

فإن احْتَجُّوا بقولهِ تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] فأخبرَ أنَّه إلهٌ بكلِّ واحدٍ منهما.

فالجوابُ: أنَّ المرادَ بالآيةِ أنهُ عندَ أهلِ السَّماءِ إلهٌ وعندَ أهلِ الأرضِ إلهٌ كمَا يقالُ: فلانٌ نبيلٌ مطاعٌ في العراقِ ونبيلٌ مطاعٌ في الحجازِ، يَعْنُونَ أنَّهُ نبيلٌ مطاعٌ فيهما وليس يَعْنُونَ أنَّ ذاتَهُ في العراقِ وفي الحجازِ.

فإن احْتَجُّوا بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوْا} [النحل: 128] وبقوله تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46].

فالجوابُ: أنَّ المرادَ على أنَّهُ أرادَ بالحفظِ والرعايةِ والنَّصرِ والتأييدِ مَعَ الذين اتقوا ومَعَ المحسنينَ ومَعَ موسى وهارون عليهما السلام، فلا يُقَاسُ على هذا أنَّه معَ الفسَّاقِ والكفَّارِ، ولا مَعَ الكلابِ والخنازيرِ تعالى الله عنْ ذلكَ عُلُوًّا كبيرًا.

وَتَأَوَّلَتِ المعتزلةُ ومَنْ تَابَعَهُم قولَ الله سبحانه: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5] على أنَّ الاستواءَ هو الاستيلاءُ والقهرُ واحتَجُّوا بقولِ الشَّاعرِ:

قَدِ استوى بِشْرٌ على العِرَاقِ مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ ولا دَمٍ مِهْرَاقِ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير