تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

3 – إمَّا إذا كان اعتراضكم على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى، من باب الاعتراض على المعنى الذي تضمنه كلامه، فإنَّ هذا لا يُسلَّم لكم، إذ أنَّ الإمام الدارمي رحمه الله تعالى لم يخرج عن المعنى الذي نقله الإمام البخاري في كتابه خلق أفعال العباد عن نعيم بن حماد – وقد نقلناه فيما مضى – ولا عن المعنى الذي قاله القاضي عياض رحمه الله تعالى، عندما قال:

" إذا قال لك الجهمي أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقال أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء ".

وهذا الاثر قد أخرجه البخاري في كتابه خلق أفعال العباد: (ص14). والكرمي في أقاويل الثقات: (ص63). واللالكائي في في أصول السنة: (ص501 - 502 رقم775).وأبو يعلى في أبطال التأويلات: (1/ 52 رقم24). وغيرهم

ومفهوم الزوال الذي كفر به الجهمي، هو الحركة والانتقال، وجواب القاضي عياض رحمه الله تعالى قاطع بصحة المعنى الذي جاء في كلام الإمام الدارمي رحمه الله تعالى، وإن لم يشركه في اللفظ.

فمما لا شكَّ فيه أنَّ جواب القاضي عياض رحمه الله تعالى هذا، كان أكثر توفيقاً في أصابة الحق - معناً ولفظاً – من جواب الإمام الدارمي رحمه الله تعالى، حيث أصاب المعنى، وأخطأ في اللفظ.

وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، قد صرح بتخطئة الإمام الدارمي ولا غضاضة في ذلك، حيث يقول - كما مر سابقاً -:

" والأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص فيثبت ما أثبت الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – باللفظ الذي أثبته، وينفي ما نفاه الله ورسوله كما نفاه ".

و في ذلك يقول ابن عبد ابر رحمه الله تعالى أيضاً، ما نصه: (4/ 51).

" فإن قيل: فهل يجوز عندك أن ينتقل من لا مكان في الأزل إلى مكان00؟؟ 0 قيل له أمَّا الإنتقال وتغير الحال فلا سبيل إلى إطلاق ذلك عليه لأن كونه في الأزل لا يوجب مكانا وكذلك نقله لا يوجب مكانا، وليس في ذلك كالخلق لأن كون ما كونه يوجب مكانا من الخلق ونقلته توجب مكانا ويصير منتقلا من مكان إلى مكان، والله تعالى ليس كذلك لأنه في الأزل غير كائن في مكان، وكذلك نقلته لا توجب مكانا وهذا ما لا تقدر العقول على دفعه0

ولكنَّا نقول: [استوى] 0 من لا مكان إلى مكان ولا نقول انتقل، وإن كان المعنى في ذلك واحدا ألا ترى أنا نقول له العرش ولا نقول له سرير ومعناهما واحد، ونقول: هو الحكيم ولا نقول هو العاقل، ونقول خليل إبراهيم ولا نقول صديق إبراهيم، وإن كان المعنى في ذلك كله واحدا لا نسميه ولا نصفه ولا نطلق عليه إلا ما سمى به نفسه على ما تقدم ذكرنا له من وصفه لنفسه لا شريك له، ولا ندفع ما وصف به نفسه لأنه دفع للقرآن ".

وعلى هذا لا وجه لطعنكم على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى، في مثل هذا، وإنَّما أقصى ما يمكن أن نصف صنيع الإمام الدرامي رحمه بأنَّه اجتهد فأخطأ، أمّا أن نشنع عليه هذا التشنيع الغريب، فهذا ما لايجوز فعله، بل هو الوقعية في علماء الأمة الثقات وأئمتها.

وهذا ما صنعه الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى، في كتابه العلو، حيث بيَّن مسلك الإمام الدارمي رحمه الله تعالى، ووصف حاله بأنَّه يبالغ في الإثبات، حيث قال رحمه الله تعالى في كتابه العلو: (ص195).

" وفي كتابه بحوث عجيبة مع المريسي يبالغ فيها في الإثبات والسكوت عنها أشبه بمنهج السلف في القديم والحديث ".

فأين هذا من كلامكم الذي كفرتم به الرجل، من كلام الحافظ الذهبي رحمه الله، حيث ما زاد على أن قال:" يبالع فيها في الإثبات ". أمَّا أنتم - والله - قد بالغتم في القدح والذم، بل والتكفير، هدنا الله وإيِّاكم.

وخصوصاً إذا علمنا أنَّ الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى قد نقل الكثير من أقواله في كتابه العلو محتجاً بها، وإذا لم ينقل لنا إلاَّ قوله – والذي ردتموه علينا – " اتفقت الكلمة من المسلمين أنَّ الله فوق عرشه فوق سمواته ". لكفى.

وبعد هذا: فهل تظنون أنَّ في كلام الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى، ما يشهد لكم في اتهامهكم له بالتجسيم والتشبيه .. ؟؟.

أقول:

إنَّ موقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وموقف الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى، من الإمام الدارمي رحمه الله تعالى في هذه المسألة، لهو أكبر دليل على أننا لا نجامل أحداً، ولا نحابي أحداً على حساب الحق، بل الحق أحق أن يُقال، و أحق أن يُتبع.

ثانياً - وأمَّا قولكم: " وفي كتاب الرد على الجهمية للدرامي ص/36 يقول:

" قال الضحاك بن مزاحم: ثُمَّ ينزل الله في بهائه وجماله ومعه ما شاء من الملائكة على مجنبته اليسرى جهنم ".

فهذا أيضاً من التدليس القبيح الذي اشتهرتم به، ذلك لأنَّ الإمام الدارمي رحمه الله تعالى، قد أخرج هذا الأثر في كتابه الرد على الجهمية: (ص74 رقم 143). بإسناده إلى الإمام الكبير الضحاك بن مزاحم رحمه الله تعالى، فإذا كان في هذا الأثر أي خلل عقدي، فقد برىء الإمام الدارمي رحمه الله تعالى من عهدته، حين أسنده إلى قائله.

أمَّا إن كان - عنكم - أنَّه بمجرد رواية الإمام الدارمي هذا الخبر في كتابه يعتبر مجسماً، تُشَنُ عليه هذا الحملات المسعورة، فإنَّه لزماً عليكم إن تشنعوا التشنيع نفسه على كل من روى هذا الخبر، كالإمام الطبري، حيث أخرجه في تفسيره: (21/ 381 – 23/ 43 - 581 - 24/ 418). و غيره.

لذا نقول لكم: خففوا من حقدكم على علماء الأمة وأثباتَها، فإذا سقط الإمام الدارمي رحمه الله تعالى اليوم – بمثل هذه الهفوات – فلا ندري على من سيكون الدور غداً، إذ أنَّ لكل إمام وعالم هفوة كبرت أم صغرت،

و من ينظر في أسلوب المستشرقين وأعداء الأمة، يجد أنهم يتصيدون الأخطاء والهفوات، ويجعلون من الحبة قبة – على اللهجة الدارجة عندنا في سوريا حماها الله تعالى – لذا نربأ بكم أن تكونوا مثل هؤلاء القوم أعداء الأمة.

يتبع إن شاء الله تعالى

أخوكم من بلاد الشام

أبو محمد السوري


من مشاركاتي السابقة في الملتقى:
http://ahlalhdeeth.com/vb/search.php?do=finduser&u=54632
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير