ودليل آخر: في غزوة بدر لما جأر النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه وقد رأى أصحابه ضعافاً أذلة يقتسمون التمرات، وحالة الفقر عليهم ظاهرة، مشردون وهم سيقابلون عتاة قريش الذين خرجوا لأجل الحرب، وهؤلاء ما خرجوا لأجل الحرب، وما عندهم استعداد, نظر إليهم ورثى لحالهم، وقال: (اللهم نصرك الذي وعدت، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض) وقد اتفق العلماء أن عدة من كان موجوداً من الصحابة يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً معروفون بأسمائهم، وهم الذين يطلق عليهم العلماء: البدريون، وهم غرة في جبين الإسلام والمسلمين، حسبهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعل الله اطلع إلى أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل النار أحد شهد بدراً والحديبية).
ومن هذا أن حاطب بن أبي بلتعة كان يقسو على غلامه ويضربه، فذهب الغلام يشكوه إلى النبي عليه الصلاة والسلام وكان حاطب ممن شهد بدراً، فقال غلام حاطب للنبي عليه الصلاة والسلام: (والله يا رسول الله ليدخلن حاطب النار -أي: بقسوته عليَّ- فقال النبي عليه الصلاة والسلام: كذبت، لقد شهد بدراً).
وهؤلاء البدريون ينسبون إلى هذه الغزوة المباركة، فيقال: أبو مسعود البدري ولا يقال: فلان الأحدي ولا الخندقي ولا التبوكي ولا الرضواني، لا ينسب أحد إلى غزوة قط إلا إلى بدر؛ لجلالها وشرفها؛ لذلك حصر العلماء من كان فيها.
فإن كان الخضر حياً أكان ممن يعبد الله أم لا؟ لا شك أنه ممن يعبد الله، فكيف قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض)؟ فلا يستثني الخضر ولا غيره، فهذا دليل دلالة قاطعة على أن الخضر غير موجود، هذا من السنةالأدلة من القرآن على أن الخضر مات
أما القرآن: فقد قال الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34] أي: إن كتبنا عليك الموت مع جلالتك وقربك منا واصطفائنا لك وأنت سيد ولد آدم ولا فخر، وأنت أول من يهز حلق الجنة، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول من يدخل الجنة من النبيين بل من الخلق، وأول شافع ومشفع، أفإن مت يكون هؤلاء الذين لم تتوفر لهم هذه الصفات هم الخالدون.
ونحن نسأل: هل الخضر بشر أم جني؟ لا يشك أحد أنه بشر، فإن كان من البشر شمله عموم الآية بل لا شك في ذلك عند جميع العلماء: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34] إن كان من البشر شملته الآية {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:185] ولفظة (كل) عند العلماء: تفيد العموم ولم يخرج عن هذا العموم أحد -أي: في الدنيا- إلا إبليس لعنه الله، وعيسى عليه السلام بدلالة النص الخاص بكل منهما.
ولو أخذنا الآية على جميع أفرادها وجميع زمانها صار الكل فانياً.
الدليل الثاني من القرآن: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:81].
والخضر نبي: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} [آل عمران:81] فلا شك أنه داخل في هذه الجملة، ولا نعلم في حديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف ضعفاً منجبراً أن الخضر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به وصدقه وجاهد معه، فأين كان؟ وقد أخذ الله الميثاق على جميع الأنبياء الذين يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وهم أنبياء أخذ عليهم الميثاق أنه إذا ظهر هذا النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم أنه يجب عليهم أن يأتوه ويعزروه وينصروه، فإن كان الخضر حياً فأين كان؟ أليس هذا من الطعن في الخضر وأنه خالف ميثاق الله عز وجل ولم يجد لنصرة النبي عليه الصلاة والسلام، أليس القول ببقائه من باب الطعن فيه؟ بلى.
وبهذا احتج ابن الجوزي رحمه الله على أن الخضر ماتالخلاف في الخضر أنبي هو أم ولي أم ملك
¥