تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وزعمت طائفة من هؤلاء الاتحادية الذين ألحدوا في أسماء الله وآياته أن فرعون كان مؤمنا، وأنه لا يدخل النار، وزعموا أنه ليس في القرآن ما يدل على عذابه، بل فيه ما ينفيه، كقوله: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [1]، قالوا: فإنما أدخل آله دونه. وقوله: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [2]، قالوا: إنما أوردهم ولم يدخلها، قالوا: ولأنه قد آمن أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، ووضع جبريل الطين في فمه لا يرد إيمان قلبه.

وهذا القول كفر معلوم فساده بالاضطرار من دين الإسلام، لم يسبق ابن عربي إليه فيما أعلم أحد من أهل القبلة، بل ولا من اليهود، ولا من النصارى، بل جميع أهل الملل مطبقون على كفر فرعون.

فهذا عند الخاصة والعامة أبين من أن يستدل عليه بدليل، فإنه لم يكفر أحد بالله، ويدعى لنفسه الربوبية والإلهية مثل فرعون.

ولهذا ثنى الله قصته في القرآن في مواضع، فإن القصص إنما هي أمثال مضروبة للدلالة على الإيمان، وليس في الكفار أعظم من كفره، والقرآن قد دل على كفره وعذابه في الآخرة في مواضع:

أحدها: قوله تعالى في القصص: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} إلى قوله: {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ} [3].

فأخبر سبحانه أنه أرسله إلى فرعون وقومه، وأخبر أنهم كانوا قومًا فاسقين، وأخبر أنهم: قالوا: {مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى} [4]، وأخبر أن فرعون قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [5]، وأنه أمر باتخاذ الصرح ليطلع إلى إله موسى، وأنه يظنه كاذبا، وأخبر أنه استكبر فرعون وجنوده، وظنوا أنهم لا يرجعون إلى الله، وأنه أخذ فرعون وجنوده فنبذهم في اليم، فانظر كيف كان عاقبة الظالمين، وأنه جعلهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون، وأنه أتبعهم في الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين.

فهذا نص في أن فرعون من الفاسقين المكذبين لموسى، الظالمين الداعين إلى النار، الملعونين في الدنيا بعد غرقهم، المقبوحين في الدار الآخرة. وهذا نص في أن فرعون بعد غرقه ملعون، وهو في الآخرة مقبوح غير منصور، وهذا إخبارعن غاية العذاب، وهو موافق للموضع الثاني في سورة المؤمن وهو قوله: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عليها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [6]، وهذا إخبار عن فرعون وقومه، أنه حاق بهم سوء العذاب في البرزخ، وأنهم في القيامة يدخلون أشد العذاب، وهذه الآية إحدى ما استدل به العلماء على عذاب البرزخ.

وإنما دخلت الشبهة على هؤلاء الجهال لما سمعوا آل فرعون، فظنوا أن فرعون خارج منهم، وهذا تحريف للكلم عن مواضعه، بل فرعون داخل في آل فرعون بلا نزاع بين أهل العلم بالقرآن واللغة، يتبين ذلك بوجوه:

أحدها: أن لفظ آل فلان في الكتاب والسنة يدخل فيها ذلك الشخص، مثل قوله في الملائكة الذين ضافوا إبراهيم: {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ امْرَأَتَهُ} ثم قال: {فَلَمَّا جَاء آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قَالَ} يعني لوطا: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} [7]، وكذلك قوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عليهمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} [8] ثم قال بعد ذلك: {وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} [9].

ومعلوم أن لوطا داخل في آل لوط في هذه المواضع، وكذلك فرعون داخل في آل فرعون المكذبين المأخوذين، ومنه قول النبي: (قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صلىت على آل إبراهيم)، وكذلك قوله: (كما باركت على آل إبراهيم فإبراهيم داخل في ذلك، وكذلك قوله للحسن: (إن الصدقة لا تحل لآل محمد).

وفي الصحيح عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان القوم إذا أتوا رسول الله بصدقة يصلي عليهم، فأتى أبي بصدقة فقال: (اللهم صل على آل أبي أوفى)، وأبو أوفى هو صاحب الصدقة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير