ومنها: أنَّه لو كانَ لفْظُ الناسِ يَشْمَلُ الْجِنَّ والإنْسَ لَمَا احْتِيجَ إلى هذا التقسيمِ؛ الْجِنَّةِ والناسِ، واكْتَفَى في الثانيةِ بما اكْتَفَى به في الأُولَى، وكانَ يكونُ الذي يُوَسْوِسُ في صُدورِ الناسِ مِن الناسِ، ولكنْ جاءَ بيانُ مَحَلِّ الوَسوسةِ: {صُدُورِ النَّاسِ}، ثم جاءَ مَصدرُ الوَسوسةِ: {الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}. واللَّهُ تعالى أعْلَمُ). [تتمة أضواء البيان: 9/ 363]
ـ[باحثة في العقيدة]ــــــــ[01 - 05 - 10, 06:18 م]ـ
أثاب الله كل من اعتنى بسؤالي ورد عليه.
لكن حتى تتضح الصورة لدي فصل في بحثي عن الوسوسة من خلال المعوذتين، وقد قسمت دلالتهما على ما تعلق بالوسوسة إلى سبع نقاط، منها نقطة: الفئة المستهدفة من الوسوسة.
وكان تناولي لها على النحو التالي:
رابعاً: الفئة المستهدفة من الوسوسة.
يؤخذ من قوله تعالى: (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) أن الفئة المتعرضة للوسوسة هم بني آدم،" فالناس: اسم جمع يدل على جماعة من الآدميين" () قال أبو القاسم الشبلي:"فالموسوس نوعان إنس وجن والموسوس إليه نوع واحد وهو الإنس" ()، وقال الشيخ عطية سالم: "وحيث ورد لفظ الناس هنا مطلقا فلا يصح حمله على الجن والإنس معا، بل يكون خاصا بالإنس فقط، ويكون في صدور الناس أي: في صدور الإنس" ().
ويؤخذ من أل الاستغراق في لفظ: الناس، إفادة العموم ()، فكل إنسان معرض للوسوسة لم يستثنى من ذلك أحد، قال ابن كثير: "من شر الوسواس الخناس، وهو الشيطان الموكل بالإنسان، فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يُزَين له الفواحش، ولا يألوه جهدًا في الخبال. والمعصوم من عَصَم الله، وقد ثبت في الصحيح أنه: "ما منكم من أحد إلا قد وُكِل به قرينة". قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: "نعم، إلا أن الله أعانني عليه، فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير" () ()، وقد سبق بيان ذلك.
ويبقى سؤال: هل يتعرض الجن للوسوسة كما يتعرض الإنس؟
ويجاب عن ذلك: أن العلماء قد توقفوا في هذه المسألة لعدم دلالة الآية على ذلك على الراجح، وبالنسبة لما ورد عن بعض المفسرين في أن المراد بالناس في قوله (صدور الناس) الطائفتين الجن والإنس () يعد قول ضعيف لا يعول عليه كما ذكر شيخ الإسلام لوجوه:
الأول: أن الناس اسم لبني آدم، فلا يدخل الجن في مسماهم.
الثاني: لم يقم دليل على أن الجني يوسوس في صدور الجن ويدخل فيه كما يدخل في الإنسي ويجري منه مجراه من الإنسي حتى تحمل الآية عليه ().
وترى الباحثة أن ذلك القول يلزم منه أن الإنسي يوسوس للجني وهذا بعيد.
إذاً حصول الوسوسة في صدر الجني أمر غيبي لا يجوز إثباته إلا بخبر وليس هناك دليل في المسألة.
هذا عن الوسوسة الحاصلة بالصدر إما حصول الإضلال والإغراء من شياطين الجن للجن فقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن} قال: إن للجن شياطين يضلونهم مثل شياطين الإنس يضلونهم فيلتقي شيطان الإنس وشيطان الجن فيقول هذا لهذا: أضلله بكذا وأضلله بكذا،فهو قوله {يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا}. ()
فمن لديه نقد أو إضافة على ما كتبت أو توجيه أرجو إفادتي.
ـ[عبدالعزيز الداخل]ــــــــ[03 - 05 - 10, 10:01 ص]ـ
ويبقى سؤال: هل يتعرض الجن للوسوسة كما يتعرض الإنس؟
ويجاب عن ذلك: أن العلماء قد توقفوا في هذه المسألة لعدم دلالة الآية على ذلك على الراجح.
فمن لديه نقد أو إضافة على ما كتبت أو توجيه أرجو إفادتي.
لدي نقد في أمرين:
الأمر الأول: أن إطلاق القول بأن العلماء قد توقفوا في هذه المسألة غير صحيح، والتحرير أن تذكري الأقوال وأدلة كل قول ثم تناقشي الأقوال وترجحي ما يترجح لك؛ فإن من العلماء من صرح بإثبات وسوسة الجن للجن، واستدل لقوله فكيف يقال بأنه توقف.
الأمر الثاني: أن قول بعض أهل اللغة بأن لفظ الناس في قوله تعالى: (في صدور الناس) يشمل الإنس والجن، قد ضعفه غير واحد من العلماء لكن لا يلزم منه تضعيف القول بأن الجن لا يُوسوس إليهم، لأن انتفاء دليل واحد عن أمر لا يقتضي أن لا يدل عليه دليل آخر.
ولو تأملنا أدلة أخرى من القرآن لظهر أن الجنَّ يُوسوس إليهم كما يوسوس إلى الإنس، إذ فيهم شياطين يغوونهم كما في الإنس شياطين، ومنهم من يسمع من بعض الإنس ما يزينه له بعض الباطل فيغويه بذلك، وكل ذلك جاء بيانه في القرآن الكريم.
قال تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً)
فدل منطوق الآية على وصول وحي بزخرف القول إلى شياطين الجن، والوحي هنا في معنى الوسوسة لأنه إلقاء خفي بتزيين الباطل.
وسماع الجن لخطاب الإنس ثابت بنص القرآن، بل حصل لهم من الغواية بسبب ذلك ما ذكره الله تعالى عنهم في قوله جل وعلا: (وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا)
فحصل لهم غواية بسبب ما سمعوه من كذب الإنس والجن على ربهم.
وقوله تعالى: (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ... ) الآية
وخطابه موجه لأهل النار إنسهم وجنهم، وقد حصل لهم من تصديقه واتباعه ما أوجب لهم العذاب.
وكذلك قوله تعالى: (وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين)
فالعذاب وقع على الكفار من الجن والإنس بسبب غوايتهم إذ اتبعوا ما زينته لهم الشياطين.
وتزيين الباطل بزخرف القول هو حقيقة الوسوسة.
وكذلك قوله تعالى بعدها: (وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين) يدخل في الذين كفروا كفار الجن والإنس.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وليس من شرط الموسوِس أن يكون مستتراً عن البصر بل قد يشاهد).
¥