وبهذا يظهر أن الحافظ ابن حجر أهمل كل هذه الشروط عند ذكره لتلك المطاعن،فلم يذكر عمن نقلها، ومن أي كتاب، ولا هو مشارك لشيخ الإسلام في علمه، فإنما صناعته الحديث فقط، وهو ضعيف جدا في علم الكلام وما يتعلق به.
وقد علم أن ما نقله هو من نسج خصوم ابن تيمية في الاعتقاد، فكان يجب عليه التوقف في قبول هذه المطاعن، وروايتها في كتابه إلا أن يعمل فيها يد التحقيق، فإما يثبتها، و إما ينفيها،هذا هو المنهج العلمي.
أما ذكرها معلقة فيفقد ترجمته مصداقيتها و نزاهتها، و بالتالي تفقد قيمتها العلمية، خاصة وقد جاءت مخالفة لترجمة من عاصروا ابن تيمية كابن الزملكاني، و الصفدي، و الألوسي الأب و الابن، و غيرهم.
وقد يظهر من كلام ابن حجر العسقلاني في بعض المواضع من هذه الترجمة لابن تيمية أنه يكيل بمكيالين، فقد جاء بمقدمة كاذبة مفادها أن ابن تيمية يبغض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وهذا ما سنفنده، و بناء عليه نسبه بلسان غيره إلى النفاق عملا بالحديث: ((لا يبغضك إلا منافق)).
قلت: يكيل بمكيالين لأنه ترجم جميع الرواة الذين عرفوا بالإجماع بانحرافهم و بغضهم لعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ولم يطبق عليهم هذا الحديث، بل تأول لهم و مدحهم، مثل: عثمان بن حريز، وعبد الله بن شقيق العقيلي،وخالد بن سلمة الفأفأ،و الجوزجاني، حتى انتقده الشيعة أمثال البعلوي في كتابه (العتب الجميل) وقالوا: كيف يوثق من ثبت نفاقهم؟
وقد بيّن الحافظ هذه القضية في (تهذيب لتهذيب) (418/ 8) ولكنه لم يطبقها في ترجمة ابن تيمية، هذا أذا فرضنا صحة هذه التهمة، و إلا فإن ابن تيمية أشد موالاة للصحابة من ابن حجر و جميع شيوخه، لأن من يدعو إلى تجديد علم الصحابة، و الاقتداء بهم في العلم و العمل، و يدافع عنهم أكثر من دفاعه على علماء الكلام أو طائفته هو الصادق في موالاتهم.
قال الحافظ: ((وقد كنت أستشكل توثيقهم الناصبي غاليا وتوهينهم الشيعة مطلقا، ولا سيما أن عليا ورد في حقه لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق.
ثم ظهر لي في الجواب عن ذلك أن البغض ها هنا مقيد بسبب، وهو كونه نصر النبي صلى الله عليه وسلم لأن من الطبع البشري بغض من وقعت منه إساءة في حق المبغض، والحب بعكسه، وذلك ما يرجع إلى أمور الدنيا غالبا، والخبر في حب علي وبغضه ليس على العموم، فقد أحبه من أفرط فيه حتى ادعى أنه نبي أو أنه إله تعالى الله عن إفكهم، والذي ورد في حق علي من ذلك قد ورد مثله في حق الأنصار، وأجاب عنه العلماء أن بغضهم لأجل النصر كان ذلك علامة نفاقه وبالعكس، فكذا يقال في حق علي، وأيضا فأكثر من يوصف بالنصب يكون مشهورا بصدق اللهجة، والتمسك بأمور الديانة، بخلاف من يوصف بالرفض فإن غالبهم كاذب، ولا يتورع في الأخبار، والأصل فيه أن الناصبة اعتقدوا أن عليا ـ رضي الله عنه ـ قتل عثمان، أو كان أعان عليه، فكان بغضهم له ديانة بزعمهم ثم أنضاف إلى ذلك أن منهم من قتلت أقاربه في حروب علي.))
قلت: لقد بيّن الحافظ أن هذا الحديث (لا يبغضك إلا منافق) ليس على عمومه، مثله مثل حديث (حب الأنصار) وأن ذلك يحمل على من أبغضه من أجل نصرته النبي صلى الله عليه و سلم، و أنه حتى الناصبة لم يبغضوه من أجل ذلك،و إنما لاعتقادهم الخاطئ أنه قتل عثمان أو أعان عليه، و أن منهم من قتلت أقاربه في حروب علي، و أن هذا من بغض الدنيا لا من بغض الدين،ثم وازن بينهم وبين الرافضة، وفضلهم عليهم بصدق اللهجة و التمسك بأمور الديانة.
وهذا الذي قاله ابن حجر هو عين ما يذم به ابن تيمية فأي ميزان هذا؟!
ولا بأس أن أذكر هنا لما روى أهل السنة عن الناصبة ولم يرووا عن الرافضة إضافة إلى ما ذكره الحافظ في جوابه فأقول:
1 ـ شيعة عثمان وهم الناصبة أفضل من الشيعة من كل وجه، فهم أكثر خيرا منهم و أقل شرا.
2 ـ الناصبة لهم بدعة واحدة وحيدة، وهي الانحراف عن علي ـ رضي الله عنه ـ ببغضه و سبه على المنابر لما جرى بينهم و بينه من القتال لكن مع ذلك لم يكفروه، ولا كفروا من يحبه.
أما الشيعة ففيهم كم هائل من البدع المكفرة و الغليظة، فقد كفروا الصحابة و الأمة، و يلعنون كبار الصحابة، و يرمونهم بالكفر و الزندقة و الفواحش.
ولا شك أن من يبغض صحابيا واحدا و يتولى بقيتهم خير عند الله و عند رسوله ممن يتولى واحدا و يبغض بل و يكفر بقيتهم.
¥