تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمن رجا الخير من ميت أو دفع الضر المتوقع فلا أضل منه فادع في كل ما يصيبك الحيّ الذي لا يموت فإنه النافع الضار وحده و الله يوصي عباده فيقول: " و من ءاياته الليل و النهار و الشمس و القمر لا تسجدوا للشمس و لا للقمر و اسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون" [فصلت:37].

ثالثا: أما قولك: " كنا نتوسل بهم " فإن التوسل الشائع بين الناس و هو دعاء _ الدعاء هو مخ العبادة _ شرك محض فالتوحيد أن تدعو الله الذي خلقك _ و لو عظمت

ذنوبك _ فإنه معك يسمع دعاءك فإن كان لا بد من التوسل فتوسل بصالح أعمالك كما فعل الثلاثة أصحاب الغار حينما نزلت عليهم الصخرة و سدّته عليهم فاستجاب لهم من يعلم شدّتهم هذا هو التوسل الصحيح و غيره قد يوقع صاحبه في الشرك فلا تحم حوله.

رابعا: و أما قولك " كنا نقيم الزردات و الوعدات كلما اشتدت بنا المحن " فإن هذه الزردات كانت من آثار غفلتنا منافية ليقظتنا و كان علماؤنا رحمهم الله يسمونها " أعراس الشيطان " لما يقع فيها من سفه و تبذير و عهر و خمر و اختلاط و فجور و إنما كان يشدّ إليها الرحال من تونس حتى المغرب الغافلون منا المستهترون بالدين و الأخلاق ممن نامت ضمائرهم و كانت من أعظمها زردة " سيدي عابد " بناحيتكم يأتيها الفسّاق من تونس و المغرب و ما بينهما و سل الشيوخ عن الأحياء ينبئونك و كانت هذه الزرد كثيرة لأن لكل قوم إلههم من أصحاب القبور من حدود تبسة إلى مغنية كان تعبد من دون الله و لكل قوم من يقدسونه ف (سيدي سعيد) في تبسة و (سيدي راشد) بقسنطينة و (سيدي راشد) بالسطيف و (سيدي بن حملاوي) بالتلاغمة و (سيدي الزين) بسكيكدة و (سيدي منصور) بولاية تيزي وزو و (سيدي محمد الكبير) في البليدة و (سيدي بن يوسف) بمليانة و (سيدي الهواري) بوهران و (سيدي عابد) بغليزان و

(سيدي بومدين) بتلمسان و (سيدي عبد الرحمن) بالجزائر و يزاحمه (سيدي محمد) و ليعذرني الإخوة ممن لم أذكر آلهة بلدانهم و هم ألوف.

ففعل هؤلاء القوم مع هؤلاء المشايخ يشبه فعل الجاهلية مع هبل و اللات و العزى و خصوصا إقامة الزردة حولها و الذبح لها و التمسح بالقبور أفترانا نحيي آثار الشرك و نحن موحدون؟

لقد وقف العلماء وقفة صادقة ضد هذه المناكير في الزرد لا فرق بين علماء الإصلاح و غيرهم ممن كان يناصر جمعية العلماء و من كان خارجها حتى قضوا على الزردة و ساء ذلك الدوائر الإستعمارية فأرادت أن تحييها و تحافظ عليها و في علمي أن آخر زردة قسنطينة أقامها سياسي فشل في سياسته الإدماجية فعادى العلماء و اتهمهم و أقام زردة بثيران المعمون و أخرافهم و أين مدينة قسنطينة عرين أسد الإصلاح و لكنه دفن نفسه و لم تقم له قائمة فمن يريد أن يسير اليوم بإحياء الزردة و الوعدة فبشره بخيبة تصيبه مثل خيبة الأمس فاحذر يا صاحب السؤال

خامسا: ثم إن الطعام و و اللحم المقدم في الزردة لا يحل أكله شرعا لأنه مما نص القرءان على حرمة أكله فإنه سبحانه و تعالى يقول: " حرّمت عليكم الميتتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهل لغير الله به? " [المائدة: 3] فاللحم من القسم الرابع أي مما أهل لغير الله به أي ذبح لغير الله بل للمشايخ فزردة (سيدي عابد) أقيمت له و هكذا (سيدي بن عودة) و (سيدي بومدين) إلخ .... أقيمت له الزردة ليرضى و ينفع و يدفع الضر و تقول إن هذه الذبائح قد ذكر اسم الله عليها فأقول: و لو ذكر اسم الله فإن النية الأولى و هي تقديمها إلى صاحب المقام يجعلها لغير الله.

برهان ذلك فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع والد الفرزدق و سحيم فإن سحيما علم أن غالبا نحر ليطعم الناس فنحر فسمع به غالب فنحر عشرات فغالبه سحيم و نحر مثله و كثر المنحور حت عدّ بالمئات يريدان به الفخر فلفما جاء الأمر إلى علي رضي الله عنه نهى الناس عن أكل لحمها و اعتبرها مما أهل لغير الله و لا شك أن ناحريها قد ذكروا عند نحرها اسم الله لكن الناحرين قصدا بدلك التباهي و الإفتخار فكانت مما أهل به لغير الله

فلحم الزردة حرام لأنه صنع بذلك اللحم و حضور الزردة حرام لأنه تكثير لأهل الباطل و لو كان الذي حضر إماما أو رئيس أئمة أو دكتورا أو عالما فإنه عار أن نزرد بأموال الدولة و نحن غارقون في الديون و قد شاهدنا في تلفزتنا ما يحب الأوروبيون أن نكون عليه من اللعب بالثعابين فكل من أحيا فينا الغفبة التي كنا فيها بالأمس ليس بناصح لنا بل غاش و لن يفلح في مقاصده و سيكون كما قال الله في مثله ممن جعلوا المال للكيد للمسلمين:" فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون و الذين كفروا إلى جهنم يحشرون " [الأنفال:36] و هذا وعد من الله صادق و لن يخلف الله و عده.

سادسا: و أما قولك " حتى جاء البادسيون " فالحق أن ابن باديس و أصحابه إنما دقوا الجرس فاستيقظ الشعب و رأى الخطر المحدق به فانفض عنهم و لم يأت ابن باديس بدين جديد و لا بطريق جديد و إنما تلا كتاب الله و حدّث بكلام رسول الله صلى الله عليه و سلم و سار بسيرة السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين و كفى ابن باديس أن أيقظ المسلمين.

سابعا: إذا أردنا أن تزول عنا المحن فلنجتنبها و لنخالف طريقها: نعبد الله و حده و نطيع الله و رسوله و نوحد الكلمة فيما بيننا و نعتصم بحبل الله المتين و نجتنب الخلاف و النزاع و نؤمن بالله و نستقيم و نعمل الصالحات فلا بد من العمل المتواصل لأن الله يأمر به" و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون " [التوبة:105] هذه هي وسائل النجاح و ليست إقامة الوعدات و الزردات و دعاء غير الله فهذا عمل الخاسرين فإن طلبنا النجاح و زوال المحن بغير هذه الطريقة فنحن في ضلال و خسران كما أقسم على ذلك رب الناس

" و العصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين ءامنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصو بالصبر " هذا جواب سؤالك يا أخا زمورة و سنعود إلى الموضوع و السلام عليكم و على كل من اتبع الهدى."

أحمد حماني رحمه الله 19/ 11/1991 (من جريدة الشعب اليومية:الإثنين 18/ 11/1991 صفحة 9 _ رياض الإسلام)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير