[التفريق بين شرعية الأصل وشرعية الوصف]
ـ[سعد الخييلي الدوسري]ــــــــ[03 - 05 - 10, 08:21 ص]ـ
قال شيخنا وليد بن راشد السعيدان في كتابه الماتع [القول الرشيد في سرد فوائد التوحيد] 1/ 62 ـ 63، تحت الفائدة (19): "
اعلم - أرشدك الله لطاعته - أن من المهمات لطالب العلم التفريق بين شرعية الأصل وشرعية الوصف، فإن الخلط بينهما يوجب للطالب شيئًا من الاضطراب في الجواب عما يورده المبتدعة من الأدلة التي يستدلون بها على إثبات بدعهم، فالمبتدعة كلهم إنما يستدلون على إثبات بدعهم في غالب أحيانهم بالأدلة التي تثبت أصل العبادة فقط وهو يربط هذه العبادة بصفةٍ معينة أو مكانٍ أو زمانٍ معين، فيستدل على بدعته بدليل الأصل، وإذا سبرت أحوال المبتدعة وجدتها كذلك فقل لهم: إن شرعية الأصل لا تستلزم شرعية الوصف؛ وذلك لأن الوصف شيء زائد على الأصل يتطلب دليلاً آخر غير الدليل المثبت للأصل، فدليل الأصل للأصل ويبقى هذا التقييد به وصف معين أو زمانٍ أو مكانٍ معين مفتقرًا إلى دليل آخر؛ وذلك لأن الأصل في العبادات الإطلاق حتى يرد المقيد، فإنك إذا راعيت ذلك سهل عليك الأمر وعرفت كيف ترد البدعة، ومن باب التوضيح أضرب لك بعض الأمثلة فأقول:
إن الذين يحتفلون بمولد النبي e يستدلون على ما يفعلونه بأدلة عامة كالأدلة التي توجب محبة النبي e وتقديم محبته على كل أحدٍ والتي توجب توقيره وتعزيه ونحو ذلك، وإذا نظرت إلى هذه الأدلة وجدتها إنما تثبت أصل الحب والتعظيم والتعزير إلا أنهم يخرجون هذا الحب على صفةٍ معينة في أوقات معينة، ونحن إنما نطلب الدليل على هذه الصفة المعينة ولاحق لهم أن يستدلوا على إثباتها بالأدلة العامة فإن أدلة الأصل للأصل ويبقى الوصف محتاجًا إلى دليل آخر غير دليل الأصل؛ لأن شرعية الأصل لا تستلزم شرعية الوصف، ثم يأتي بعد ذلك أن النبي e لم يفعله وكذلك الخلفاء الراشدون ومن بعدهم إلى عصور متأخرة، لكن بالتفريق بين أصل الشيء ووصه يسهل عليك فهم المسألة وأنها أصلاً بنيت على غير أساس، والله أعلم.
ومن الأمثلة أيضًا: قول: صدق الله العظيم عقيب كل قراءة، واعتقاد أن ذلك سنة ثابتة أو واجب متحتم ويستدلون على ذلك بقوله تعالى:} ومن أصدق من الله قيلا {،} ومن أصدق من الله حديثًا {،} وقل صدق الله {.
وأقول: إن هذه الأدلة إنما تثبت أصل هذا الشيء وهو لب الدين وجماع الإسلام، فلا أحد أصدق من الله حديثًا ولا قيلا، لكن الذي نطلبه الآن هو الدليل على اعتقاد مشروعية هذا القول عقيب كل قراءة فإنه لم يثبت عنه e من وجه صحيح أنه كان يقولها ولا أعلم ذلك ثابتًا عن أحدٍ من الصحابة، فلو كان خيرًا لسبقونا إليه، والأصل في العبادات التوقيف وشرعية الأصل لا تستلزم شرعية الوصف، والله أعلم.
ومن الأمثلة أيضًا: أن بعض الناس يقول: (استعنا بالله) أو (بالله نستعين) عند قول الإمام في الجهرية:} إياك نعبد وإياك نستعين {، وهذا القول إذا نظرت إليه من ناحية أصله لوجدته لا بأس به، إذ العبد ينبغي له أن يستعين بالله في كل أموره، لكن اعتقاد شرعية هذا القول في هذا الوقت بعينه هو الذي يحتاج إلى دليل، ولا يكتفى بالاستدلال عليه بالأدلة التي تثبت الأصل، فإن شرعية الأصل لا تستلزم شرعية الوصف، والله أعلم.
ومن الأمثلة أيضًا: الطواف حول قبور الأولياء والصالحين، والنذر عندها بكسوتها، أو الذبح لها ودعاء أصحابها من دون الله، وغير ذلك مما يُفعل عند قبورهم إنما دليل من يفعل ذلك قوله تعالى:} ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون {فبالله عليك ماذا تفيد هذه الآية، هل تفيد ما يفعلونه مطابقة أو تضمنًا أو التزام؟ فإن من عنده أدنى معرفة بأوجه الاستدلال وكيفيته يعلم علمًا قطعيًا أنها تفيد بيان منزلة الأولياء عند الله تعالى، ومجرد وجود منزلة عالية لهم عند الله عز وجل لا يلزم منه فعل ذلك عند قبورهم؛ لأن شرعية الأصل لا يستلزم شرعية الوصف، والله أعلم.
ومن الأمثلة أيضًا: التمسح بمقام إبراهيم وبالركنين الشاميين وبسائر جدران الكعبة وأستارها أو بالحجرة النبوية على سكانها وصاحبيه أفضل الصلاة والسلام، فإن هذه الأماكن وإن كان لها عظمة وحرمة إلا أن اعتقاد ذلك لا يوجب طلب البركة منها لأن شرعية الأصل هو عظمتها وحرمتها وقدسيتها لا يستلزم شرعية الوصف الذي هو التبرك بها والتمسح بجدرانها ونحو ذلك، فانظر كيف أهمية التفريق بين الأصل والوصف فإنك تقضي بذلك على البدع كلها لأنه كما قدمت أن المبتدعة يستدلون على بدعهم إما بالأحاديث الضعيفة جدًا أو الموضوعة أو بأدلة صحيحة لكن لا تدل إلا على إثبات الأصل فقط، والله يتولانا وإياك.
وإذا أردت أمثلة أكثر فارجع إلى تحرير القواعد ومجمع الفرائد وعند شرحنا لهذه القاعدة، والله أعلم. "
وهذا هو رابط كتاب تحرير القواعد ومجمع الفرائد القسم الأول وذلك في صفحة (172):
http://www.saaid.net/Doat/wled/2.zip
وقد افرد الشيخ رساله في ذلك باسم رسالة في التفريق بين أصل العبادة ووصفها:
http://www.aljlees.com/3s3998204-73.html