[مكارم الأخلاق]
ـ[حمدان المطرى]ــــــــ[01 - 07 - 07, 01:57 م]ـ
[مكارم الأخلاق]
للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله , نحمده و نستعينه ونستغفره , ونتوب إليه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , بعثه الله تعالى بالهدى ودين الحق , ليظهره على الدين كله , بعثه الله تعالى بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً , وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً , فبلغ الرسالة , وأدى الأمانة , ونصح الأمة , وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين , ووفق الله من شاء من عباده فاستجاب لدعوته , واهتدى بهديه , وخذل الله بحكمته من شاء من عباده , فاستكبر عن طاعته , وكذب خبره , وعاند أمره , فباء بالخسران والضلال البعيد.
أما بعد فبحثنا هذا يدور حول الحديث عن حسن الخلق ومكارم الأخلاق.
والخلق: هو السجيةُ والطبع , وهو كما يقول أهل العلم: صورةُ الإنسان الباطنة , لأن الإنسان صورتين:
صورة ظاهرة: وهي شكل خلقته التي جعل الله البدن عليه , وهذه الصورة الظاهرة منها جميل حسن , ومنها ما هو قبيح سيئ , منها ما بين ذلك.
وصورة باطنة: وهي حال للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خير أو شر , من غير حاجة إلى فكر وروية.
وهذه الصورة أيضاً منها ما هو حسن إذا كان الصادر عنها خلقاً حسناً , ومنها ما هو قبيح إذا كان الصادر عنها خلقاً سيئاً , وهذا ما يُعبر عنه بالخلق , فالخلق إذن هو الصورة الباطنة التي طبع الإنسان عليها.
والواجب على المسلم أن يتخلق بمكارم الأخلاق أي أطايبها , والكريم من كل شيء هو الطيب منه بحسب ذلك الشيء , ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ (إياك وكرائم أموالهم) (1) حين أمره بأخذ بالزكاة من أهل اليمن.
فعلى الإنسان أن تكون سريرته كريمة , فيحب الكرم , والشجاعة , والحلم , والصبر ,أن يلاقي الناس بوجه طلق , وصدر منشرح , ونفس مطمئنة , فكل هذه الخصال من مكارم الأخلاق.
وقد قال الني صلى الله عليه وسلم (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) (2) , فينبغي أن يكون هذا الحديث دائماً نصب عين المؤمن , لأن الإنسان إذا علم بأنه لن يكون كامل الإيمان إلا إذا أحسن خلقه كان ذلك دافعاً له على التخلق بمكارم الأخلاق ومعالي الصفات وترك سفا سفها و رديئها.
ــــــــــ
(1) أخرجه البخاري رقم1496 , ومسلم رقم29 (2) أخرجه أبو داود رقم4682 , و الترمذي 1162 , وهو في صحيح الجامع رقم1230 , 1232
...
كمال الشريعة الإسلامية من ناحية الأخلاق
والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من مقاصد بعثته إتمام محاسن الأخلاق , فقال عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) (1).
فالشرائع السابقة التي شرعها الله للعباد كلها تحث على الأخلاق الفاضلة , ولهذا ذكر أهل العلم أن الأخلاق الفاضلة مما طبقت الشرائع على طلبه , ولكن الشريعة الكاملة جاء النبي عليه الصلاة والسلام فيها بتمام مكارم الأخلاق ومحاسن الخصال. ولنضرب مثلاً.
مسألة القصاص: ذكر أهل العلم في مسألة القصاص , أي: لو أن أحداً جنى على أحد فهل يقتص منه أم لا؟ ذكروا أن القصاص في شريعة اليهود حتميٌّ ولابد منه , ولا خيار للمجني عليهم فيه , وأن الأمر في شريعة النصارى العكس , وهو وجوب العفو , لكن شريعتنا جاءت كاملة من الوجهين , ففيها القصاصُ وفيها العفو , لأن في أخذ الجاني بجنايته حزماً وكفاً للشر , وفي العفو عنه إحساناً وجميلاً , وبذل معروف فيمن عفوت عنه , فجاءت شريعتنا والحمد لله مكملة , خيرت من له الحق بين العفو والأخذ , لأجل أن يعفو في مقام العفو , وأن يأخذ في مقام الأخذ. وهذا بلا شك أفضل من شريعة اليهود التي ضيعت حق المجني عليهم في العفو الذي يكون فيه مصلحة لهم , وأفضل من شريعة النصارى التي ضيعت حق المجني عليهم أيضاًً فأوجبت عليهم العفو وقد تكون المصلحة في الأخذ وإنزال العقوبة.
...
الأخلاق بين الطبع والتطبع
وكما يكون الخُلقُ طبيعة , فإنه قد يكون كسباً , بمعنى أن الإنسان كما يكون مطبوعاً على الخلق الحسن الجميل , فإنه أيضاً يمكن أن يتخلق بالأخلاق الحسنة عن طريق الكسب والمرونة.
¥