هذا خبر صادر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم في أمور الغيب لا ينطق عن الهوى , لا ينطق إلا بما أوحى الله تعالى إليه لأنه بشر , والبشر لا يعلم الغيب بل قد قال الله له (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ)] الأنعام50 [.
وهذا الخبر يجب علينا أن نقابله بحسن الخلق وحسن الخلق نحو هذا الخبر يكون بأن نتلقاه بالقبول والانقياد , فنجزم بأن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فهو حق وصدق , وإن اعترض عليه من اعترض , ونعلم علم اليقين أن كل ما خالف ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه باطل , لأن الله تعالى يقول (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)] يونس32 [.
ومثال آخر – من أخبار يوم القيامة - أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشمس تدنو من الخلائق يوم القيامة بقدر ميل (2) , وسواء كان هذا الميل ميلَ المكحَلة أم كان ميل المسافة , فإن هذه المسافة بين الشمس ورءوس الخلائق قليلة ومع هذا فإن الناس لا يحترقون بحرها , مع أن الشمس لو تدنو الآن في الدنيا مقدار أنملة لاحترقت الأرض ومن عليها.
قد يقول قائل: كيف تدنو الشمس من رءوس الخلائق يوم القيامة بهذه المسافة , ثم يبقى الناسُ لحظةً واحدةً دون أن يحترقوا؟! نقول لهذا القائل: عليك أن تكون حسن الخلق نحو هذا الحديث.
وحسنُ الخلق نحو هذا الحديث الصحيح يكون أن نقبله ونصدق به , وأن لا يكون في صدورنا حرج منه ولا ضيق ولا تردد , وأن نعلم أن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا فهو حق , ولكن هناك فارقاً عظيماً بين أحوال الناس في الدنيا , وأحوالهم في الآخرة , بحيث لا يمكن أن نقيس أحوال الدنيا بأحوال الآخرة , لوجود هذا الفارق العظيم.
فنحن نعلم أن الناس يقفون يوم القيامة خمسين ألف سنة!!
ــــــــــ
(1) أخرجه البخاري رقم5782
(2) أخرجه مسلم 2864
وعلى مقياس ما في الدنيا , فهل يمكن أن يقف أحدٌ من الناس خمسين أ لف دقيقة؟
الجواب: لا يمكن ذلك , إذن الفارق عظيم , فإذا كان كذلك , فإن المؤمن يقبل مثل هذا الخبر بانشراح صدر وطمأنينة , ويتسع فهمه له , وينفتح قلبه لما دل عليه.
2/ ومن حسن الخلق مع الله عز وجل , أن يتلقى الإنسان أحكام الله بالقبول والتنفيذ والتطبيق فلا يرد شيئاً من أحكام الله , فإذا رد شيئاً من أحكام الله فهذا سوء خلق مع الله عز وجل , سواءٌ ردها منكراً حكمها , أو ردها مستكبراً عن العمل بها , أو ردها متهاوناً بالعمل بها , فإن ذلك كله منافٍ لحسن الخلق مع الله عز وجل.
مثال على ذلك – الصوم – الصوم لا شك فيه أنه شاقٌ على النفوس , لأن الإنسان يترك فيه المألوف , من طعام وشراب , ونكاح , وهذا أمر شاق على الإنسان ولكن المؤمن حسن الخلق مع الله عز وجل , يقبل هذا التكليف , أو بعبارة أخرى: يقبل هذا التشريف , فهذه نعمة من الله عز وجل في الحقيقة , فالمؤمن يقبل هذه النعمة التي في صورة تكليف بانشراح صدر وطمأنينة , وتتسع لها نفسه فتجده يصوم الأيام الطويلة في زمن الحر الشديد , وهو بذلك راضٍ منشرح الصدر , لأنه يحسن الخلق مع ربه , لكن سيئ الخلق مع الله عز وجل يقابل مقل هذه العبادة بالضجر والكراهية, ولولا أنه يخشى من أمر لا تُحمد عقباه , لكان لا يلتزم بالصيام.
مثال آخر – الصلاة – فالصلاة لا شك أنها ثقيلة على بعض الناس , وهي ثقيلة على المنافقين , كمال قال النبي عليه الصلاة والسلام (أثقل الصلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر) (1).
لكن الصلاة بالنسبة للمؤمن ليست ثقيلة قال تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)] البقرة45 - 46 [, فهي على هؤلاء غري كبيرة وإنما سهلة يسيرة , ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (و جعلت قُرة عيني في الصلاة) (2).
فالصلاة هي قرة عين المؤمن , وزاده اليومي الذي يتزود به للقاء الله تعالى , ولذلك فهو يعظم قدرها لها أعظم الاهتمام , لأنها عماد الدين وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة.
¥