ليس كلُّ ما يقع مِن الكُمَّل يكون لائقاً بهم، إذ المعصوم من عصمه الله، والسنيُّ لا ينبغي له أنْ يغالي فيمن يحترمه حتى يرفعه إلى مصافِّ الأئمة الشيعة المعصومين عندهم، ولا نشك أنَّ خروجَ أمِّ المؤمنين كان خطأً مِن أصله، ولذلك همّتْ بالرجوع حين علمتْ بتحقُّقِ نبوءةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عند " الحَوْأَب "، لكن الزبير رضي الله عنه أقنعها بترك الرجوع بقوله: " عسى الله أنْ يصلح بك النَّاس "، ولا نشك أنَّه كان مخطئاً في ذلك أيضاً، والعقل يقطع بأنَّه لا مناص مِن القول بتخطئة إحدى الطائفتين المتقاتلتين اللتين وقع فيهما مئات القتلى، ولا شك أنَّ عائشةَ رضي الله عنها هي المخطئة لأسبابٍ كثيرةٍ، وأدلةٍ واضحةٍ، ومنها: ندمها على خروجها، وذلك هو اللائق بفضلها وكمالها، وذلك مما يدل على أنَّ خطأها مِن الخطأ المغفور، بل: المأجور.
" السلسلة الصحية " (الحديث رقم 474).
ولذلك صحَّ عنها أنها ندمت وأنها كانت تبكي على ما صدر منها.
قال الذهبي - رحمه الله -:
ولا ريب أن عائشة ندمت ندامةً كليَّةً على مسيرها إلى البصرة، وحضورهما يوم الجمل، وما ظنت أن الأمر يبلغ ما بلغ.
" سير أعلام النبلاء " (2/ 177).
وأما القتال الذي دار بين معاوية ومن معه وبين علي ومن معه: فهو قتال فتنة، وكان سببه أهل الفتنة والفساد، وكان الحق في جانب علي بن أبي طالب، وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم على الطائفتين بأنهم مسلمون فأنَّى لأحدٍ أن يكفرهم؟! ولا فرق في الحكم الشرعي بين من قاتل عائشة وقاتل عليّاً وطلحة والزبير ومعاوية رضي الله عنهم، وهذا بخلاف من سبَّ عائشة وقذفها فيما لم تفعله، بل فيما برأها الله تعالى منه.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ). رواه مسلم (1064).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
فهذا الحديث الصحيح دليل على أن كلتا الطائفتين المقتتلتين - علي وأصحابه، ومعاوية وأصحابه - على حق، وأن عليّاً وأصحابه كانوا أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه؛ فإن علي بن أبي طالب هو الذي قاتل المارقين وهم " الخوارج الحرورية " الذين كانوا من شيعة علي، ثم خرجوا عليه، وكفروه، وكفروا من والاه، ونصبوا له العداوة، وقاتلوه، ومن معه.
" مجموع الفتاوى " (4/ 467).
وخلاصة ذلك نوجزها فيما يلي:
1. قذف عائشة رضي الله عنها وسبُّها ولعنها فيما برأها الله تعالى منه: كفر، وردة، بالإجماع.
2. أخطأت عائشة رضي الله عنها بالخروج لقتل قتلة عثمان رضي الله عنها، وكانت متأولة في فعلها، قاصدة للإصلاح بين معاوية وعلي رضي الله عنهما.
3. علمت رضي الله عنها خطأَها، فندمت، وبكت، على ما فعلت.
4. لم تشارك عائشة رضي الله عنها بالقتل يوم " الجمل " بل جاءت على جملها لتوقف بذلك الحرب، ولكنَّ أهل الفتنة والخوارج استمروا بالقتال بل صوبوا سهامهم نحوها ونحو جملها.
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ـ[أبو البراء القصيمي]ــــــــ[30 - 05 - 10, 11:04 م]ـ
جزاك الله خير أخي، فلله درك على هذه الفوائد القيمة، نفع الله بك أخي ..
ـ[فلاح حسن البغدادي]ــــــــ[31 - 05 - 10, 06:22 ص]ـ
بارك الله فيكم ورضي الله عن أم المؤمنين
ـ[عمرو بسيوني]ــــــــ[31 - 05 - 10, 10:20 ص]ـ
ولكن عنوان السؤال عام، إذ أن سب عائشة ـ رضي الله عنها ـ أو لعنها مطلقا ليس كفرا بالإجماع أو حتى الاتفاق، إنما الاتفاقي لو سبها بما برأها الله منه، أو سبها لأجل صفتها ـ أم المؤمنين ـ فهذا ايضا يكفر ـ كمن يسب الصحابي لصحبته ـ لأن حقيقته سب الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أما التنقص أو السب أو اللعن ـ لعنة الله على الظالمين الذين يفعلونه ـ فهذا فيه الخلاف المشهور في سب الصحابة واختلاف مراتبه و أحواله ممن سبهم جميعا أو أغلبهم أو غير المبشرين خصوصا أو هم، أو الشيخين خصوصا، بل إن العلماء اختلفوا فيمن رمي واحدة من أمهات المؤمنين غير عائشة بما برأ الله منه عائشة في إكفاره أو قتله حدا أو تأديبه ونحو ذلك، وهذا كله في السب والتنقص و التفسيق، وكذلك إكفار الصحابة فيه التفصيل على المراتب السابقة.
الشاهد أن في العنوان عموما وإيهاما، ولكن الفتوى أبانت التفصيل في أن الرمي والسب بما برأها الله منه كفر، وكأن السائل أراد إلقاء شبهة وأن يلزم اهل السنة أنهم يكفرون من تنقص عائشة أم المؤمنين بإطلاق.
ونعوذ بالله من الخذلان وحبوط العمل.