ومنها: أنه لو كانت علة النهي عن شتم الوجه وتقبيحه أنه يشبه وجه آدم لنهى أيضاً عن الشتم والتقبيح وسائر الأعضاء , لا يقولن أحدكم قطع الله يدك ويد من أشبه يدك ... إلخ ما ذكره ([23] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn23)) .
ومنها: أنه إذا قيل: إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورة آدم , أولا تقبحوا الوجه , ولا يقل أحدكم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك ,فإن الله خلق آدم على صورة آدم , كان هذا من أفسد الكلام , فإنه لا يكون بين العلة والحكم مناسبة أصلاً , فإن كون آدم مخلوقاً على صورة آدم , فأي تفسير فسر به فليس في ذلك مناسبة للنهي عن ضرب وجوه بنية , ولا عن تقبيحها وتقبيح ما يشبهها , وإنما دخل التلبيس بهذا التأويل حيث فرق الحديث المروي (إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه) مفرداً , وروي قوله (إن الله خلق آدم على صورته) مفرداً , أما مع أداء الحديث على وجهه فإن عود الضمير إلى آدم يمنع فيه , وذلك أن خلق آدم على صورة آدم سواء كان فيه تشريف لآدم أو كان فيه إخبار مجرد بالواقع فلا بناسب هذا الحكم.
ومنها: أن الله خلق سائر أعضاء آدم على صورة آدم , فلو كان مانعاً من ضرب الوجه أو تقبيحه لوجب أن يكون مانعاً من ضرب سائر الوجوه وتقبيح سائر الصور , وهذا معلوم الفساد في العقل والدين , وتعليل الحكم الخاص بالعلة المشتركة من أقبح الكلام , وإضافة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يصدر إلا عن جهل عظيم أو نفاق شديد , إذ لا خلاف في علمه وحكمته وحسن كلامه وبيانه.
ومنها: أن هذا تعليل للحكم بما يوجب نفيه , وهذا من أعظم التناقض , وذلك أنهم تأولوا الحديث على أن آدم لم يخلق من نطفة وعلقة ومضغة , وعلى أنه لم يتكون في مدة طويلة بواسطة العناصر , بَنوه قد خلقوا من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة , وخلقوا في مدة عناصر الأرض , فإن كانت العلة المانعة من ضرب الوجه وتقبيحه كونه خلق على ذلك الوجه , وهذه العلة منتفية في بينه , فينبغي أن يجوز ضرب وجوه بنيه وتقبيحها لانتفاء العلة فيها أن آدم هو الذي خلق على صورة دونهم , إذ هم لم يخلقوا كما خلق آدم على صورهم التي هم عليها بل نقلوا من نطفة إلى علقة إلى مضغة .. إلخ ([24] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn24)) .
الدليل الثاني: ما جاء من طريق الأعمش , عن حبيب بن أبي ثابت , عن عطاء , عن ابن عمر بلفظ:" لا تقبحوا الوجه , فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن" ([25] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn25))
وهذا نص صريح في أن اللهتعالى خلق آدم على صورته. وهذا النص لا يحتمل التأويل، ومن تأوله فقدأبعد النجعة وتكلف غاية التكلف. ([26] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn26))
ولأهمية هذا الحديث في هذا الباب وكونه فيصلا وقاطعا للنزاع في هذه المسألة، فقد أثار نقاشا واسعا، خاصة بين بعض العلماء المعاصرين. ([27] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn27))
وخلاصة القول أن هذا الحديث – حديث ابن عمر – صححه جمع من أهل العلم، كإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، والحاكم، وابن تيمية، والذهبي، وابن حجر، وغيرهم. وذكروا شواهد تعضدده وتقويه، وإن ضعفه آخرون، كابن خزيمة، والمازري، وتبعهم في ذلك الألباني. فالقول بصحته أقرب والعلل التي ذكرها المضعفون الجواب عنها متيسر.
الدليل الثالث: حديث أبي سعيد الخدري قال: قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال (هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا). قلنا لا قال (فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما). ثم قال (ينادي مناد ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم وأصحاب الأوثان مع أوثانهم وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر وغبرات من أهل الكتاب ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب فيقال لليهود ما كنتم تعبدون؟ قالوا كنا نعبد عزير ابن الله فيقال كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد فما تريدون؟ قالوا نريد أن تسقينا فيقال اشربوا فيتساقطون في جهنم. ثم يقال للنصارى ما كنتم تعبدون؟ فيقولون كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد فما تريدون؟ فيقولون نريد أن تسقينا فيقال اشربوا فيتساقطون حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر
¥