يعبدون معبودات متفرقة، ولم يفرق بينهم، بل جعلهم كلهم مشركين، حكم بأنهم كلهم مشركون، وقاتلهم جميعا، ولم يقل: أنتم الذين تعبدون الصالحين، تعبدون الصالحين فلا نقاتلكم ولا نكفركم، لأن الصالحين لا يسمون أصناما، بل قاتل الجميع، أمره الله تعالى بقتال الجميع، قال الله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا؛ يعني عن الشرك: وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ.
فهكذا أمره الله بقتال الجميع: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وفي هذه الآية: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك؛ يعني حتى لا يكون هناك شرك، قاتلوهم حتى يسلموا ويتوبوا، ويتركوا الشرك، ويخلصوا العبادة لله وحده وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ.
ذكر الأدلة يقول: الدليل على أنهم يعبدون الشمس والقمر قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ دل على أن هناك أناس يعبدون الشمس ويعبدون القمر، ويُعَبِّدون أولادهم لها، فيهم كثير يسمونه عبد شمس.
والعبودية معناها الذل؛ يعني أنه مملوك للشمس أو نحوه؛ فدل على أنهم يعبدون الشمس والقمر، فنهاهم الله وقال: لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ.
ذكر الله أيضا عن أهل سبأ -عن سبأ في اليمن - أنهم يسجدون للشمس: وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله؛ فدل على أن هناك من يعبد الشمس، الشمس مذللة مخلوقة مسيرة بأمر الله تعالى، لا تملك لمن يعبدها نفعا ولا ضرا.
فكذلك أيضا الذين يعبدون الملائكة، قال الله تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ يقولون: ما أمرناهم بعبادتنا، وإنما الشياطين هي التي أمرتهم بعبادتنا، وصرفتهم عن عبادة ربهم: يَعْبُدُونَ الْجِنَّ يعني: الشياطين أي يطيعون الشياطين في إشراكهم، ويعبدون الشياطين، وكل من عبد غير الله فإن عبادته تكون للشيطان، كما في قول الله تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ.
يقولون: ما عبدنا الشيطان، بل إنما عبدنا الأولياء. فنقول: إنكم أطعتم الشيطان الذي دعاكم إلى عبادة غير الله، فوقعت عبادتكم للشيطان.
لما نزل قول الله تعالى في سورة الأنبياء: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ قالوا: أتقول يا محمد إن معبوداتنا كلها حصب جهنم؟ نحن نعبد الملائكة، الملائكة من حصب جهنم؟ واليهود يعبدون عزير والنصارى يعبدون المسيح ويعبدون الصالحين، أكُلُّ هؤلاء حصب جهنم؟
فقال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ وأجابهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن عبادتكم لهؤلاء الصالحين تقع للشياطين، فالشيطان هو الذي دعاكم إلى ذلك، فأنتم في الحقيقة تعبدون الشياطين، فأنتم والشياطين حصب جهنم.
وكذلك في هذه الآية: وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ دل على أنهم قد اتخذوهم أربابا؛ يعني آلهة، اتخذوهم أربابا يعني آلهة يعظمونهم؛ فنهاهم. وَلَا يَأْمُرَكُمْ بل ينهاكم أن تتخذوا الملائكة أربابا، أو تتخذوا الأنبياء أربابا.
¥