وكذلك دليل عبادتهم للأنبياء أن منهم من عبد المسيح كالنصارى، قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إلى قوله: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ ما قلت لهم: اعبدوني ولا اعبدوا أمي، وإنما قلت: اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وهذا دليل على أنهم عبدوه من دون الله من قبل أنفسهم، وأن عيسى تبرأ منهم.
فدل على أن هناك من يعبد الأنبياء كعيسى ونحوه، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن النصارى إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، وسموه باسمه، وصوروا فيه صورته، وصاروا يعبدونه.
ودليل الصالحين قول الله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ هذه الآية نزلت فيمن يعبد الصالحين، أو نزلت في كل من يعبد معبودا وذلك المعبود يعبد الله: ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ هل يملكون كشف الضر عنكم؟ هل يملكون تحويله ونقله منكم إلى غيركم؟
أولئك الذين تدعونهم لا يملكون شيئا من ذلك، هم خير منكم: يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ؛ يعبدون الله ويتوسلون إليه بأسمائه، ويتقربون إليه بعبادته: يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ فأيكم أقرب؟ أنتم الذين تعبدونهم وهم مخلوقون؟ أم هم الذين يعبدون الله ويبتغون الوسيلة إليه -يعني القربة- وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ؛ فدل على أن هناك من يعبد الصالحين الذين يبتغون الوسيلة إلى الله تعالى ويرجونه ويخافونه.
دليل الأشجار والأحجار: مشهور أنهم يعبدون أشجارا وأحجارا، كما قال تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى اللات صخرة في الطائف ولكن كان تحتها قبر ولي يسمونه اللات؛ لأنه كان يخدم ويضيف الحجاج؛ فعبدوا الصخرة.
العزى شجرات في وادي نخلة بين مكة والطائف كانوا يعبدونها، يحلفون بها، يحلفون باللات والعزى، ويفتخرون بعبادتهم لها، ويقصدونها.
قد تقول: كيف ذُهِبَ بعقولهم؟ يعبدون شجرا وحجرا؟ فالجواب أن الشيطان يكلمهم، إذا عبدوها كلمهم الشيطان وزين لهم، ويتكلم في أصل تلك الشجرة، يعتقدون أنها هي التي تتكلم وتخبرهم وتعطيهم وتنفعهم، ولما أسلمت قريش أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- خالدا فقطع تلك الشجرات التي هي شجر العزى، ولما قطع الشجرات؛ خرجت شبه جنية –شيطانة-؛ فعلاها بالسيف فقتلها، فقال: تلك العزى.
ولما أسلم أهل الطائف أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- من يحطم تلك الصخرة، حتى حطمها وأصبحت جذاذا.
لا شك أن هذا دليل على أنهم يعبدون هذه الأشجار والأحجار، يوجد في هذه الأزمنة أيضا من يعبدون الأشجار والأحجار، ولكن يعتقدون فيها كما يعتقد الأولون.
ذكر أيضا من الأدلة قصة في غزوة حنين لما توجهوا إلى حنين كان بعضهم إنما أسلموا إسلاما جديدا؛ يعني ما أسلموا إلا من أيام، وبقي عندهم شيء من عادات الجاهلية، فذُكِرَ لهم أن المشركين كهوازن لهم شجرة سدرة يأتون إليها، ويجعلون فيها عرى؛ خيوط أو حبال يعلقون فيها أسلحتهم، يعلقون يعني ينوطون بها، يعلقون فيها تلك الأسلحة، ويقولون: إن هذا فيه النكاية؛ إن السيف أو الرمح أو القوس إذا علق في هذه الشجرة تناله بركتها، ويكون له قوة في القتال.
الصحابة هؤلاء الذين أسلموا جديدا ظنوا أن هذا جائز، فمروا بسدرة شبيهة بتلك السدرة، فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ما قصدوا إلا في ظنهم أننا إذا علقنا بها سيوفنا نالتها بركتها بركة هذه الشجرة. أنكر عليهم بشدة وقال: سبحان الله -أو الله أكبر- إنها السنن -يعني العادات- قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ.
¥