[التحذير من الدعوة إلى وحدة الأديان - فضيلة الشيخ بكر أبو زيد]
ـ[حاتم الحاجري]ــــــــ[19 - 06 - 10, 12:03 م]ـ
إن الدعوة إلى هذه النظرية الثلاثية، تحت أي من هذه الشعارات، إلى توحيد دين الإسلام الحق الناسخ لما قبله من الشرائع، وما عليه اليهود والنصارى من دين دائر كل منهما بين النسخ والتحريف، هي أكبر مكيدة عُرِفت لمواجهة الإسلام والمسلمين اجتمعت عليها كلمة اليهود والنصارى بجامع عِلتهم المشتركة: "بُغض الإسلام والمسلمين". وغلفوها بأطباق من الشعارات اللامعة، وهي كذبة خادعة ذات مصير مروع مخوف.
فهي في حُكم الإسلام: دعوة بدعية، ضالَّة كُفرية، خطة مأثم لهم، ودعوة لهم إلى ردة شاملة عن الإسلام؛ لأنها تصطدم مع بدهيات الاعتقاد، وتنتهك حرمة الرُّسل والرسالات، وتبطل صدق القرآن، ونَسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتبطل نَسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع، وتبطل ختم النبوة والرسالة بمحمد عليه الصلاة والسلام، فهي نظرية مرفوضة شرعاً، محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام من كتاب وسُنَّة وإجماع، وما ينطوي على ذلك من دليل وبرهان.
لهذا لا يجوز لمسلم، يؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، الاستجابة لها، ولا الدخول في مؤتمراتها وندواتها واجتماعاتها وجمعياتها، ولا الانتماء إلى محافلها، بل يجب نبذها ومنابذتها والحذر منها والتحذير من عواقبها، واحتساب الطعن فيها والتنفير منها وإظهار الرفض لها، وطردها عن ديار المسلمين، وعزلها عن شعورهم ومشاعرهم، والقضاء عليها ونفيها، وتغريبها إلى غربها، وحجرها في صدر قائلها، ويجب على الولي المسلم إقامة حد الردة على أصحابها بعد وجود أسبابها وانتفاء موانعها، حمايةً للدين وردعاً للعابثين، وطاعةً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإقامةً للشرع المطهر.
وأن هذه الفكرة إن حظيت بقبول من يهود ونصارى، فهم جديرون بذلك؛ لأنهم لا يستندون إلى شرع مُنَزَّل مؤبد، بل دينهم إما باطلٌ محرف، وإما حقٌ منسوخ بالإسلام، أما المسلمون فلا والله، لا يجوز لهم الانتماء إلى هذه الفكرة؛ لانتمائهم إلى شرع مُنَزَّل مؤبد كله حق وصدق وعدل ورحمة.
وليعلم كل مسلم عن حقيقة هذه الدعوة: أنها فلسفية النزعة، سياسية النشأة، إلحادية الغاية (انظر كتاب: "الإيمان" لعثمان عبد القادر الصافي ص114) تبرز في لباس جديد لأخذ ثأرهم من المسلمين: عقيدةً وأرضاً ومُلكاً‘ فهي تستهدف الإسلام والمسلمين في:
1. إيجاد مرحلة التشويش على الإسلام، والبلبلة في المسلمين، وشحنهم بسيل من الشبهات والشهوات؛ ليعيش المسلم بين نفس نافرة ونفس حاضرة.
2. قَصْر المد الإسلامي واحتوائه.
3. تأتي على الإسلام من القواعد، مستهدفة إبرام القضاء على الإسلام واندراسه، ووهن المسلمين، ونزع الإسلام من قلوبهم ووأده.
4. حل الرابطة الإسلامية بين العالم العلام الإسلامي في شتى بقاعه؛ لإحلال الأخوة البديلة اللعينة: "أخوة اليهود والنصارى".
5. كف أقلام المسلمين وألسنتهم، عن تكفير اليهود والنصارى وغيرهم ممن كَفَّرَهُم اللهُ وكَفَّرَهُم رسوله صلى الله عليه وسلم إن لم يؤمنوا بهذا الإسلام ويتركوا ما سواه من الأديان.
6. وتستهدف إبطال أحكام الإسلام المفروضة على المسلمين أمام الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم من أمم الكفر ممن لم يؤمن بهذا الإسلام ويترك ما سواه من الأديان.
7. وتستهدف كف المسلمين عن ذروة سنام الإسلام: الجهاد في سبيل الله.
8. وتستهدف هدم قاعدة الإسلام وأصله: "الولاء والبراء" و"الحب والبغض في الله"، فترمي هذه النظرية الماكرة إلى كسر حاجز براءة المسلمين من الكافرين، وومفاصلتهم، والتَدَيُّن بإعلان بغضهم وعداوتهم، والبُعْد عن موالاتهم وتوليهم، وموادتهم وصداقتهم.
9. وتستهدف صياغة الفِكر بروح العداء للدين في ثوب وحدة الأديان، وتفسيخ العالم الإسلامي من ديانته، وعزل شريعته في القرآن والسُّنَّة عن الحياة، حينئذ يسهل تسريحه في مجاهل الفِكر، والأخلاقيات الهدامة، مُفَرَّغاً من كل مقوماته، فلا يترشح لقيادة أو سيادة، وجَعْل المسلم في محطة التلقي لما يُملى عليه من أعدائه وأعداء دينه، وحينئذٍ يَصِلون إلى خِسة الغاية: القفز إلى السلطة العالمية بلا مقاوم.
10. وتستهدف إسقاط جوهر الإسلام، واستعلائه وظهوره وتميزه، بجَعْل دين الإسلام المُحْكَم المحفوظ مِن التحريف والتبديل، في مرتبة متساوية مع غيره من كل دين مُحَرَّف منسوخ، بل مع العقائد الوثنية الأخرى.
11. وترمي إلى تمهيد السبيل: "للتبشير بالتنصير" والتقديم لذلك بكسر الحواجز لدى المسلمين، وإخماد توقعات المقاومة من المسلمين، لسبق تعبئتهم بالاسترخاء والتبلد.
12. ثم غاية الغايات: بسط جناح الكفرة من اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم على العالم بأسرِه والتهامه، وعلى العالم الإسلامي بخاصة، وعلى الشرق الأوسط بوجه خاص، وعلى قلب العالم الإسلامي وعاصمته: "الجزيرة العربية" بوجه أخص، في أقوى مخطط تتكالب فيه أمم الكفر وتتحرك من خلاله لغزوٍ شامل ضد الإسلام والمسلمين بشتى أنواع النفوذ: الفكري والثقافي والاقتصادي والسياسي، وإقامة سوق مشترك لا تحكمه شريعة الإسلام، ولا سَمْع فيه ولا طاعة لخُلُق فاضل ولا فضيلة ولا كسب حلال، فيفشو الربا وتنتشر المفسدات، وتُدَجَّن الضمائر والعقول، وتشتد القوى الخبيثة ضد أي فطرة سليمة وشريعة مستقيمة.
هذا بعض ما تستهدفه هذه النظرية الآثمة، وإن من شدة الابتلاء أن يستقبل نزرٌ من المسلمين ولفيفٌ من المنتسبين إلى الإسلام هذه النظرية ويركضوا وراءها إلى ما يُعقد لها من مؤتمرات ونحوها، وتعلو أصواتهم بها، مُسابقين هؤلاء الكفرة إلى دعوتهم الفاجرة وخطتهم الماكرة، حتى فاه بعض المنتسبين إلى الإسلام بفكرته الآثمة: "إصدار كتاب يجمع بين دفتيه: القرآن الكريم، والتوراة، والإنجيل".
كتبه: فضيلة الشيخ بكر أبو زيد، رحمه الله
الرئيس السابق لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء سابقًا.
مِن كتاب: الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان
¥