ولهذا قال أهل السنة بإثبات التعليل في أفعال الله - عز وجل - والأسباب.
وأما أهل البدع من الجبرية وغيرهم فإنهم ينفون العِلَلْ وبالتالي ينفون الأسباب.
ولذلك يقال للجبرية -الأشاعرة ومن نحا نحوهم- يقال لهم نُفَاة الأسباب.
وهم في الحقيقة نُفَاةُ التعليل، يقولون: أفعال الله - عز وجل - غير معللة.
فإذاً السبب لا يُنْتِجُ المُسَبَّبْ؛ ولكن يَحْدُثُ عنه المُسَبَّبْ عند الالتقاء.
وهذا القول -يعني في نفي الأسباب والتعليل- قول ابن حزم وجماعة من الذين ظاهرهم متابعة الحديث.
إذا تبين ذلك فإنَّ حقيقة السبب؛ بأنَّ الله - عز وجل - يخلق شيئاً ويأمر بشيء أمراً كونياً ويكون ذلك سبباً لأشياء كثيرة.
فمثلاً إنزال المطر من السماء، الله - عز وجل - أمَرَ بإنزاله، وفي إنزاله حِكْمَةٌ لله - عز وجل -.
وأمْرُهُ سبحانه وتعالى بأن يُنزَلَ هذا الماء على الأرض مرتبط بعلة؛ لأنَّ الأرض حياتها بالماء، وأيضاً إنزال المطر على هذه الأرض المعينة مرتبط بعلة الله - عز وجل - يعلمها وكما قال في بعض حكمته {وَلَقَدْ صَرَفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورَا} [الفرقان:50].
إذا تبين ذلك فالماء ينتج عنه شيء آخر، الماء سَبَبْ، والله سبحانه وتعالى بَيَّنَ أنه أَنْبَتَ النبات بالماء {فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} [النمل:60]، {فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ} [ق:90]، {فَأَخْرَجْنَا بِهِ}، إذاً صارت كلمة {بِهِ} هذه تدل على أنَّ الإخراج بالماء، وأنَّ الماء بسببه صار الإخراج؛ يعني الماء أنتج الإخراج.
أما غير أهل السنة فما ذا يقولون؟
يقولون عند التقاء الماء بالأرض حَصَلَ النبات، فيُفَسِّرُونَ حرف (بِـ) بنحو كلمة (عند) مِنَ الكلمات.
فإذاً عندهم عِنْدِيَّةْ ولذلك ينفون السبب.
يقولون: الماء لم يُنْبِتْ إلا على المَجَازْ العقلي، كما تقولُ: أَنْبَتَ الماء البقلَ والمنبِتُ هو الله - عز وجل -.
ولذلك يذكرون هذه القاعدة في كتب العقائد وفي كتب البلاغة الذي يسمونه المجاز العقلي: أنبت الربيع البقل أو نحو ذلك.
فإذاً نقول: إنَّ الله - عز وجل - من حكمته أنه خلق الأشياء وجعلها أسباباً لأشياء.
خَلَقَ ماء الرجل وجعله سبباً لحمل المرأة، خَلَقَ اللباس وجعله سببا للدفء، خَلَقَ السّرابيل لِعِلَّة، خَلَقَ الأشياء لعلة، وهكذا فما من شيء تراه إلا وله حكمة، حتى في المُؤْذِيَات، حتى الهوام، حتى الحشرات، حتى ما تتأذى منه وتظن أنَّهُ لا حكمة فيه، فإنَّ فيه حكمة بالغة لله - جل جلاله - وتقدست أسماؤه، هذه كلها أسباب والأسباب تُحْدِثْ المسببات.
إذاً حقيقة قول نفاة الأسباب أنهم يقولون: إنَّ السبب يُحدِثْ المُسَبَبْ عند الالتقاء؛ لكن لا يُنْتِجُهُ بالإقتِضَاءْ، يعني لا ينتجه بما جعل الله - عز وجل - فيه من التأثير.
ويمثّلون لذلك بالسكين التي يحملها الحامل لقطع الخبز، فيقولون: هذه السّكين لمَّا أَمَرَّهَا الحامل على الخبز قَطَعَتْ الخبز.
فإذاً الواقع السكين ما قَطَعَتْ الخبز عندهم حسب ما يُقَرِّرُونَ -والعياذ بالله-.
يقولون إنَّ الذي قَطَعَ في الواقع هو الحامل الذي حَمَلَ السكين، لكن صارت هذه لما التقت السكين بالخبز انقطع لأجل أنَّ الحامل أَمَرَّهَا.
فيقولون لما التقى الرجل بالمرأة، جامَعَ الرجل المرأة وأَذِنَ الله بالحمل حَمَلَتْ، سواء بماء أو بغير ماء، فالماء عنده حَصَلَ الحمل، لما نزل الماء على الأرض نبتت، فإذاً عندهم عندية.
وهؤلاء نفاة الأسباب وكثير من التفاسير مشحونة بهذا في مسائل القدر.
* وأنا يعني أردت بمزيد من هذه التفاصيل إلى أنَكَ تنتبه للتفاسير.
كثير من الناس يَحْذَرْ مسائل التأويل، ومعلوم أنَّ مذهب أهل السنة والجماعة وما في النصوص ليست هي مسائل التأويل فقط، يعني المخالف خالف في التأويل.
لكن مسائل القدر أهم، مسائل القدر في التفاسير أهم ليس لأنها أعظم من مسائل الصفات ولكن لأجل خفائها على الناس فهي خفية.
الآيات: آيات الإضلال، الهداية، آيات الأسباب، آيات أفعال الله - عز وجل -، الصفات، كلها تجد في كتب التفاسير فيها خلطٌ وخبطٌ وخروجٌ عن طريقة أهل السنة والجماعة، رَفَعَ الله مراتبهم.
وأنتَ وبعد ذلك أقول تستفصل إن شاء الله وتزداد من هذه الأصول.
¥