[المسألة الحادية عشر]:
في أنواع التقدير.
ذكرنا لك أنَّ التقدير أربعة مراتب ومنها مرتبة الكتابة.
ومرتبة الكتابة جاء في الحديث أنها التقدير كما في قوله صلى الله عليه وسلم «قدّر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء» (1) يعني كَتَبْ، ولهذا نقول مراتب التقدير يعني مراتب الكتابة.
فالله - عز وجل - جعل كتابته للأشياء لها خمس أحوال:
1 - الكتابة الأولى: وهي أوَّلُهَا وأقدمها وأعظمها كِتَابَةُ الله - عز وجل - مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة في اللوح المحفوظ، وهذه هي الكتابة التي كانت قبل الخلق، وهذه الكتابة لا تتبدل ولا تتغير، رُفعت الأقلام وجفَّتْ الصحف.
فيجد العبد ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ من خير أو شر.
وهذه مر معنا جُمَلْ الأدلة عليها وبعض التفصيل لها.
2 - الكتابة الثانية: كِتَابَةٌ لمقادير الخلق من حيث الشّقاوة والسعادة، ونعني بالخلق خاصةَ المكلفين.
وهذه التي تأتي فيها أحاديث الميثاق وأنَّ الله - عز وجل - استخرج ذرية آدم من صلبه فنثرهم أمامه كهيئة الذَّر وأخذ عليه أن لا يشركوا به شيئاً سبحانه وتعالى، وقَبَضَ قبضة إلى الجنة وقبضة إلى النار وكتب أهل الجنة وكتب أهل النار، ونحو ذلك مما جاء في السّنة من بيان ذلك.
هذا تقديرٌ بَعْدَ الأول، وهو قبل أن يُخْلَقَ جِنْسُ المكلفين أي من الإنسان.
لمَّا خلق الله - عز وجل - آدم حصل ذلك، حصل هذا التقدير العام لهم.
3 - الكتابة الثالثة: وهي التقدير العمري، والعُمري هو الذي يكون والإنسان في بطن أمه فإنَّ النطفة إذا صارت في الرحم وبلغت ثنتين وأربعين ليلة أتاها ملك، فأمره الله - عز وجل - بكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد.
وهذه أيضا جاءت في حديث ابن مسعود المشهور الذي فيه (أنَّ الملك يأتي بعد أربعين وأربعين وأربعين؛ يعني بعد عشرين ومائة، فيأتي فيكتب رزق الإنسان وأجله وعمله وشقي أو سعيد، يؤمر بِكَتْبِ هذه الكلمات الأربع). (2)
هذه الكتابة العُمرية هي تفصيلٌ لما في اللوح المحفوظ، لأنَّ الذي في اللوح المحفوظ شامل لكل المخلوقات، وهذا مُتعلِقٌ بهذا المخلوق المعين وحده.
لهذا قال العلماء: إنَّ هذه تفصيل، فذاكَ فيه الجميع، وهذا للإنسان المعين بخصوصه، قالوا تفصيل ولك أن تقول تخصيص.
4 - الكتابة الرابعة: الكتابة السنوية، والكتابة السنوية هي التي تكون في ليلة القدر قال - عز وجل - {حم (1) وَالكِتَابِ المُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:1 - 4].
وهذه تُكْتَبْ فيها المقادير في تلك السَّنَةْ.
من السَّنَةْ إلى السَّنَةْ.
إيش معنى ذلك؟
معناها أنَّ الله - عز وجل - يوحي إلى ملائكته بأن يكتبوا أشياء مما في اللوح المحفوظ فتكون بأيديهم مما سيحصل للناس.
5 - الكتابة الخامسة: هي التقدير الأخير وهي التقدير اليومي.
واستدل له أهل العلم بقوله سبحانه {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29].
إذا تَبَيَّنَتْ هذه المراتب فإنه قد ثبت في السنة أنَّ الله - عز وجل - يزيد في العُمُر، ينْسَأُ في الأَثَرْ، يبسط في الرزق، فقال صلى الله عليه وسلم «من سرّه أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه» (3) يعني الرزق صار يتغير والأثر العمر صار يتغير، وقال أيضاً في الحديث الآخر «إنّ العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه» (4) فمعناه فيه حرمان لبعض الرزق.
وهذا معنى قول الله - عز وجل - في آية سورة الرعد {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39].
فنظر أهل العلم في ذلك فقالوا:
إنَّ المراتب الثلاث الأُوَلْ هذه لا تتغير ولا تتبدل؛ يعني:
- الأول السابق القديم الذي في اللوح المحفوظ.
- وهؤلاء إلى الجنة وهؤلاء إلى النار.
- وكذلك كتب الملك الكلمات الأربع.
لهذا جاء في آخر الحديث مُؤَكِّدَاً صلى الله عليه وسلم على أنها لا تتغير «وإنّ الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» (5)، الثلاث الأُوَلْ هذه ما تتغير.
¥