تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والحقيقة أنني لما قرأت اتهام الصفار لأبي هريرة والمغيرة وعمرو بن العاص ومعاوية بالكذب في حديث رسول الله، توقفت عن القراءة وساقتني التأملات بعيداً بعيداً، وقلت في نفسي: ترى لو أن الصفار اتهم الملك عبدالله بالكذب في حديث الناس وصنف لذلك كتاباً ينشره في موقعه الشخصي، فوالله لتقومن الدنيا ولاتقعد، ولترمينه الصحافة الليبرالية عن قوس واحدة، وليهربن عن ولائمه أفواه كانت تتسابق إليها، وليختفين رمسه خلف شمس الحاير في أيام معدودة .. أما أن يتهم أصحاب نبينا بالكذب على رسول الله، ويضع ذلك في كتاب يوزعه في موقعه الشخصي، فالأمر أهون من ذلك!

بل يقدم هذا الصفار الذي اتهم أبابكر بالانقلاب على الخلافة الشرعية واتهم الصحابة بالكذب؛ على أنه رمز التسامح والتعايش والحوار والتقارب والوطنية .. ياحسرتاه على غربة السنة حيث صار مقام الملوك فينا خير من مقام أصحاب رسول الله ..

وحين قرأت تكفير آل كاشف الغطاء لأبي سفيان في كتاب يفتخر به الصفار، وقرأت اتهام الصفار لمعاوية بأنه يقود مشروع الردة؛ قلت في نفسي: الشيعة الآن ينزعجون حين يطلق بعض أهل السنة الكفر على بعض رموزهم المعاصرين، بينما هم يكفرون أصحاب رسول الله!

بل والله العظيم أنني حين قرأت اتهام الصفار لمعاوية بالخلاعة والمجون، فإني تذكرت نقمته حين قال قائلنا عن السيستاني بأنه "فاجر"، وهاهو الصفار يتهم معاوية بالخلاعة والمجون! هل صار السيستاني أكرم من صاحب رسول الله معاوية بن أبي سفيان؟!

كيف لا يتأمل هؤلاء الشيعة كتاب الله جل وعلا؟ الله سبحانه وتعالى أطلق من العمومات في فضل أصحاب رسول الله شيئاً عجباً يقف شعر المؤمن إجلالاً لهم وكفاً عن الخوض فيما شجر بينهم.

تأمل كيف عم الله مراتب الصحابة في قوله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة، 100].

فهذه الآية تشمل المراحل التاريخية للصحابة، السابقون ومن تبعهم، وجعلهم كلهم داخلون في رضى الله، ووعدهم الجنات، نسأل الله من فضله.

وتأمل كيف عم الله جميع أصحاب محمد في قوله (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح، 29].

وأما أبوهريرة –رضي الله عنه- الذي اتهمه الصفار –عامله الله بما يستحق- بالكذب على رسول الله، فقد شهد له أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- بالحفظ وجلس صغار الصحابة يتلقون من أبي هريرة الحديث، وكثير من مرويات صغار الصحابة إنما أخذوها عن أبي هريرة، وهوما يسمى في علم المصطلح مرسل الصحابي، فضلاً عن أئمة كبار التابعين الذين جلسوا بين يديه -رضي الله عنه- ونقلوا عنه السنة النبوية، حتى روى ابن سعد عن ابن عمر –رضي الله عنه- أنه كان يترحم على أبي هريرة في جنازته ويقول (كان يحفظ على المسلمين حديث النبي صلى الله عليه و سلم).

وشهادات أصحاب رسول الله له بالرواية والحفظ معروفة مدونة في ترجمته، وليس هذا موضع مناقشة الشبهات المثارة حوله رضي الله عنه.

وأما معاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنه- فإني أتمنى من الشيعة أن يتأملوا في عدة أمور:

لوقيل للمرء ماهي أعظم الأمانات الشرعية فإنه لن يتردد في أن من أعظمها كتابة الوحي، وقد استأمن النبي معاوية على كتابة الوحي، فكيف يختار رسول الله لكتابة الوحي رجلاً غير أمين؟!

فلوكان معاوية ليس من أماثل وأفاضل الصحابة فهل ترى عمر –رضي الله عنه- يوليه وهو هو؟!

ويلخص ابوالعباس ابن تيمية ذلك بقوله (فإن معاوية ثبت بالتواتر أنه أمّره النبي -صلى الله عليه وسلم- كما أمّر غيره، وجاهد معه، وكان أميناً عنده يكتب له الوحي، وولاه عمر بن الخطاب الذي كان من أخبر الناس بالرجال) [الفتاوى، 4/ 472]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير