فبالله عليكم هل يستعمل رسول الله رجلاً في كتابة الوحي، وهي من أعظم الأمانات الشرعية، ويستعمله عمر في الولاية، وهي من أعظم الأمانات الدنيوية؛ ويكون قائداً لمشروع ردة والخلاعة والمجون وتعطيل الحدود والكذب على رسول الله كما يقول حسن الصفار في كتابه؟! أليس هذا اتهاماً ضمنياً لرسول الله ولعمر؟!
فضلاً عن أن معاوية –رضي الله عنه- ممن غبر قدميه مع رسول الله في عدة غزوات منها غزوة حنين.
فسائر ماروي عنه من أخبار تاريخية يطعنونه بها رضي الله عنه؛ إما أن تكون أخباراً مكذوبة (وهو الأكثر كما لاحظت)، أو أن تكون اجتهاداً منه هو فيه بين الأجر والأجرين، أو أن تكون خطأ وهو غير معصوم -كغيره من الصحابة- لكن له حسنات عظيمة رضي الله عنه.
وما أجمل قاعدة أهل السنة في التعامل مع الصحابة التي لخصها ابن تيمية في المنهاج بقوله عن معاوية وعن غيره من الصحابة:
(ما يذكر عن الصحابة من السيئات كثير منه كذب، وكثير منه كانوا مجتهدين فيه ولكن لم يعرف كثير من الناس وجه اجتهادهم، وما قدر أنه كان فيه ذنب من الذنوب لهم؛ فهو مغفور لهم، إما بتوبة، وإما بحسنات ماحية، وإما بمصائب مكفرة، وإما بغير ذلك).
وتأمل فيما ينقله الطّعنة في الصحابة تجده لايخرج عن هذه المراتب التي ذكرها ابوالعباس.
ومن الطرائف أنني قبل عدة أشهر التقيت بشاب سني ووجدته مشحوناً ضد معاوية بن أبي سفيان رضي الله، فلما سألته عن مصدر قراءته اتضح أنها بعض كتب التاريخ والأدب التي كان مؤلفوها حاطبو ليل!
وقد نبه الذهبي على هذه الإشكالية حيث قال في السير: (كما تقرر الكف عن كثير مما شجر بينهم وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين، و مازال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف، وبعضه كذب) [سير النبلاء، 10/ 93].
على أية حال .. لايمكننا أن نتوسع في شبهات الشيعة المثارة حول معاوية، ذلك أنه صدر الآن دراسات كثيرة لأهل السنة حللت علمياً كل هذه الشبهات، ولكن دعونا الآن نعود لموضوعنا وهو سياق مشروع الصفار في الداخل السعودي.
فالذي لاحظته أن مشروع (ولائم الصفار) في القطيف تحول إلى مصيدة يستغفل بها بعض أهل السنة فيستضيفهم على موائد فاخرة لا للدعوة والجدال بالحسنى لبيان الحق وإبطال الباطل، وإنما لاستتابتهم مما يسميه الأخطاء التاريخية، فيحرص الصفار على إظهار الشخصية السنية المستضافة في مظهر المعتذر عن أخطاء اقترفها أهل السنة في حق الشيعة المظلومين ..
ويحرص الصفار على أن يظهر الشخصيات السنية في صورة التحول والتراجع عن منهج سابق إلى منهج جديد .. وأن يستصدر منهم أي كلمة في إدانة التاريخ السني .. ولذلك تسمع العبارات التي تتحدث عن علاقة جديدة، وعهد جديد، وتحول تاريخي، الخ وهذه كلها تحتوي إدانة ضمنية لعلماء ودعاة أهل السنة والجماعة خلال العصور السابقة بأنهم ظلموا الشيعة وتجنو عليهم ..
ولفت انتباهي أن الصفار يحرص أشد الحرص على التغطية المصورة لهذه الاستضافات، وخصوصاً لحظات التبسم وتماسك الأيدي والقراءة سوياً في أحد كتب الصفار .. ثم بث هذه الصور وأرشفتها في موقعه الشخصي، لتأثيرها الشديد في خلخلة الثوابت العقدية في نفوس المتلقين من أهل السنة .. فالصورة تفعل في النفوس ما لاتفعله الأقوال والبيانات ..
ومع ذلك كله فالحقيقة أنني لاحظت –أيضاً- أن الشخصيات السنية المستضافة تفاوتت تفاوتاً كبيراً في مستوى الانخداع بمجالس الاستتابة الصفارية .. فبعضهم استغل الزيارة لدعوة الشيعة للتصحيح، وهذا موقف مشكور، لكن آخرين أدو الدور المطلوب تماماً وأخذو يلطمون مع الشيعة على التقارب والمساواة ومظلومية الشيعة في السعودية .. فهذه ولائم الصفار إذا شبعت منها البطون، جاعت منها العقائد ..
¥