حسناً .. إذا كانت زيارة الشيعة وغيرهم من أهل البدع ليست مرفوضة من حيث المبدأ، فأين المشكلة إذن؟ المشكلة ليست في الزيارة، وإنما ما يقال في الزيارة، ومن أكثر أخطاء التعايشيين شيوعاً تصوير التعايش وحفظ الحقوق المعيشية للشيعة وكأنه لم يكن، وكأنه غير موجود أصلاً ويجب إيجاده، وفي هذا إدانة ضمنية لعلماء ودعاة أهل السنة في المرحلة السابقة، والواقع أن علماء ودعاة أهل السنة لم يظلموا الشيعة في معايشهم، بل منطقتهم تحظى بتمييز خاص، وقد ظفروا بخدمات لم يظفر بها السني المسكين في شمال السعودية وجنوبها.
ومن أخطاء التعايشيين الظهور بمظهر المعتذر عن أخطاء التاريخ التي ارتكبها أهل السنة في حق الشيعة، وهذا تزييف كلي للتاريخ، فالذي فجر في الحرم الشريف وقت اكتظاظ الحجيج هم الشيعة، والذي نبش قبور البقيع وأحدث فتنة هم الشيعة، والذي جاءنا من جنوب السعودية يحاربنا هم الشيعة، فالشيعة هم الذين يجب أن يعتذروا وليس أهل السنة!
ومن أخطاء التعايشيين التهوين من الفوارق العقدية بين أهل السنة والشيعة، وإظهارها في صورة الخلاف الفروعي.
ومن أخطاء التعايشيين مبالغتهم في مديح الصفار وأنه معتدل، ومغالاتهم في تصوير حجم الاعتدال الشيعي، والواقع أن من يسمونهم معتدلين يتجنون على أبي بكر بأنه انقلب على الخلافة الشرعية، ويتهمون أباهريرة بالكذب في حديث رسول الله، ويتهمون معاوية بالخلاعة والمجون، ويكفرون أباسفيان، ويعظمون المشاهد والقبور؛ فأي اعتدال تتحدثون عنه يارحمكم الله؟!
فلكل من يقول: (وإنا نشهد لسماحة الشيخ حسن الصفار بالاعتدال) فإني أذكرهم قول الله تعالى (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) [الزخرف، 19].
ومن أخطاء التعايشيين اعتبارهم أن التعايش يستلزم (إقرار الباطل) حيث يعتبرون أن الرد على ضلالات الرافضة وبيان خطئها وانحرافها أنه يقوض الوحدة الوطنية وأنه ضد التعايش! فهم لايكتفون بتأصيل الحقوق المعيشية للشيعة، بل يطالبون بالكف عن بيان ضلال غلاة الشيعة، لأن هذا يهدد اللحمة الوطنية!
وأما قول التعايشيين ليس من شرط التعايش التطابق بين السنة والشيعة، فإنا نقول وليس من شرط التعايش الكف عن بيان ضلال الرافضة وخطأ انحرافاتهم!
فكما أن بقاء الشيعي على تشيعه لايقدح في التعايش، فكذلك فإن الرد على انحرافات الشيعة وضلالهم لايقدح في التعايش.
ومن عجائب الأفكار في التعامل مع الملف الشيعي أنني ناقشت مرة أحد الإخوة الفضلاء فقال لي: من الصعوبة أن يتخلى الشيعة عن القدح في معاوية وأبي هريرة وسمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص ونحوهم، فمالمانع أن نقبل منهم ذلك في مقابل تعظيمهم واحترامهم للخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان؟
ثم سمعت عين هذه الشبهة مع شخص آخر يرددها! ووالله ماتوقعت أن الأمور تصل إلى هذا المستوى، فصارت أعراض الصحابة محلاً للمقايضة والمساومة! اشتموا هذا مقابل أن تسكتو عن هذا! حفظ حقوق الصحابة ومنزلتهم وأعراضهم ليس حقاً شخصياً لنا بحيث نفاوض عليه، بل هو فريضة شرعية، إذا لم نستطع القيام بها فلا أقل من أن نصمت حتى يقيض الله لصحابة نبيه رجالاً يذبون عن أعراضهم.
ومن دقيق فقه السلف أنهم نبهوا إلى أن من خاض في عرض معاوية فإنه لايتوقف عن الاستمرار، فهذا باب إذا فتح لم يرتج، فينتقل منه للقدح في عثمان بسبب الأموال، ومنه إلى القدح في عمر بسبب قوته في ولايته وأنه أقصى المخالف، ومنه إلى أبي بكر بسبب فدك والسقيفة، وهكذا.
وهذا المعنى –أعني كون القدح في معاوية باب إلى غيرهم من الصحابة- معنى شائع عند السلف تحدثوا عنه كثيراً، ومن ذلك:
(قال عبد الله بن المبارك: معاوية عندنا محنة، فمن رأيناه ينظر إلى معاوية شزراً اتهمناه على القوم، أعني على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال الربيع بن نافع: معاوية ستر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه.
وقال وكيع: معاوية بمنزلة حلقة الباب، من حركه اتهمناه على من فوقه).
[الآثار الثلاثة رواها ابن عساكر في تاريخه (59/ 210 - 211).
¥