المعمور لا يتابع عليه")). اهـ وقد أورده ابن الجوزيّ في الموضوعات (1/ 147) وقال: ((هذا حديث لايُتهم به إلا روح بن جناح فإنه يُعرف به، ولم يتابعه عليه أحد. قال ابن حبان: "يروي عن الثقة ما إذا سمعه مَن ليس بمتبحر في هذه الصناعة شهد بالوضع". وقال عبدالغنى الحافظ: "هذا حديث منكر بهذا الإسناد ليس له أصل عن الزهري، ولا عن سعيد، ولا عن أبي هريرة". ولا يصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الطريق ولا من غيرها)). اهـ
قلتُ: أنَّى يصلح هذا الحديث شاهداً؟!
وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " البيت المعمور في السماء يقال له الضراح على مثل البيت الحرام بحياله لو سقط لسقط عليه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لم يردوه قط وإن له في السماء حرمة على قدر حرمة مكة "
وأخرجه عبد الرزاق في المصنف عن كريب مولى ابن عباس رضي الله عنهما مرسلا هذا الحديث هو ما تكلّمنا عليه في تعليقنا الأول، وإسناده تالف على اختلاف في وصله وإرساله.
وأخرج إسحق بن راهويه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن خالد بن عرعرة أن رجلا قال لعلي رضي الله عنه: ما البيت المعمور؟ قال: بيت في السماء يقال له الضراح وهو بحيال مكة من فوقها حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة لا يعودون إليه أبدا
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف عن أبي الطفيل أن ابن الكوا سأل عليا رضي الله عنه عن البيت المعمور ما هو؟ قال: ذلك الضراح بيت فوق سبع سموات تحت العرش يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة هذا موقوف على عليٍّ وليس مِن كلامه صلى الله عليه وسلّم.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله والبيت المعمور قال: هو بيت حذاء العرش يعمره الملائكة يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يعودون إليه هذا الحديث فضلاً عن كونه موقوفاً على ابن عباس، فإنّ سنده واهٍ مسلسلٌ بالضعفاء. رواه محمد بن سعد عن أبيه عن عمه عن أبيه عن أبيه عن ابن عباس. ومحمد بن سعد هذا هو محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي، لين الحديث. وأبوه سعد لم يكُ أهلاً للكتابة عنه. وعمُّ سعد هو الحسين بن الحسن بن عطية العوفي منكر الحديث لا يُحتجّ به. والحسن بن عطية العوفي هو وأبوه ضعيفان.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو رفعه قال: إن البيت المعمور بحيال الكعبة لو سقط شيء منه لسقط عليها يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك والحرم حرم بحياله إلى العرش وما من السماء موضع إهاب إلا وعليه ملك ساجد أو قائم هذا الحديث أخرجه آدم بن أبي إياس في تفسيره - المعروف خطأً بتفسير مجاهد - فقال في أول الطور (2/ 624): ثنا شيبان قال: نا قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن طلحة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ((البيت المعمور بيت في السماء بحيال الكعبة، لو سقط سقط عليها. يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك. والحرم حرم بحياله إلى العرش. وما من السماء موضع إهاب إلا وعليه ملك ساجد أو قائم)). اهـ فالأثر موقوف مِن كلام ابن عمرو.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن في السماء بيتا يقال له الضراح وهو فوق البيت من حياله حرمته في السماء كحرمة هذا في الأرض يلجه كل ليلة سبعون ألف ملك يصلون فيه لا يعودون إليه أبدا غير تلك الليلة وهذا موقوف على ابن عباس، وأخرجه بنحوٍ منه ابنُ جرير الطبري في تفسيره موقوفاً على عكرمة.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة فأرادت عائشة أن تدخل البيت فقال لها بنو شيبة: إن أحدا لا يدخله ليلا ولكن نخليه لك نهارا فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فشكت إليه أنهم منعوها أن تدخل البيت فقال: " إنه ليس لأحد أن يدخل البيت ليلا إن هذه الكعبة بحيال البيت المعمور الذي في السماء يدخل ذلك المعمور سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة لو وقع حجر منه لوقع على ظهر الكعبة " أخرجه الثعالبي في الكشف والبيان في أول سورة الطور. وفي سنده سفيان بن نشيط وهو مجهول لم يَرْوِ عنه إلا موسى بن إسماعيل. رواه عن أبي محمد، ومَن أبو محمد؟ عن الزبير بن العوام عن عائشة، والزبير لم يروِ عنها.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله والبيت المعمور قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لأصحابه: " هل تدرون ما البيت المعمور؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة لو خر خر عليها يصلي كل يوم فيه سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم " الحديث مرسل، أرسله قتادة فقال: "ذُكِرَ لنا".
قلتُ: فأنَّى تصلح هذه المرويات والآثار أن تكون شاهدةً لذلك الحديث الضعيف وهي ضعيفة أيضاً؟ وبعضها منكر لا أصل له! فالقول بأنّ البيت المعمور بحيال الكعبة ليس هو مِن كلام النبي صلى الله عليه وسلّم، بل رُوي موقوفاً عن عليّ وابن عباس وبعض التابعين.
بل إذا كان الأمر يدور على أحاديث وآثار ضعيفة، فالأشبه أن يكون أصله عن وهب بن منبه. وذلك لما أخرجه الأزرقي في أخبار مكة (1/ 91) قال: حدثني جدي، عن سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج، عن وهب بن منبه: ((أنه وجد في التوراة بيتاً في السماء بحيال الكعبة فوق قبّتها، اسمه "الضراح". وهو البيت المعمور، يرده كلّ يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه أبداً)). اهـ
والله أعلى وأعلم
¥