وبعض أهل العلم يظنون أن في القرآن ما لا يمكن الوصول إلى معناه، فيكون من المتشابه المطلق، ويحملون آيات الصفات على ذلك، وهذا من الخطأ العظيم، إذ ليس من المعقول أن يقول الله تعالى: {كتاب أنزلناه مبارك ليدبروا آياته} [ص: 29]، ثم تستثني الصفات وهي أعظم وأشرف موضوعاً وأكثر من آيات الأحكام، ولو قلنا بهذا القول، لكان مقتضاه أن أشرف ما في القرآن موضوعاً يكون خفياً، ويكون معنى قوله تعالى: (ليدبوا آياته)، أي: آيات الأحكام فقط، وهذا غير معقول، بل جميع القرآن يفهم معناه، إذا لا يمكن أن تكون هذه الأمة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى آخرها لا تفهم معني القرآن، وعلي رأيهم يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وجميع الصحابة يقرؤون آيات الصفات وهم لا يفهمون معناها، بل هي عندهم بمنزلة الحروف الهجائية أ، ب، ت .. والصواب أنه ليس في القرآن شيء متشابه على جميع الناس من حيث المعنى، ولكن الخطأ في الفهم.
فقد يقصر الفهم عن إدراك المعني أو يفهمه على معنى خطأ، وأما بالنسبة للحقائق، فما أخبر الله به من أمر الغيب، فمتشابه على جميع الناس.القول المفيد على كتاب التوحيد [2/ 138] بتصرف.
فوائد هامة:
1 - كيف تعامل المجدد رحمه الله مع هذه القضية الحساسة بمنتهى الحكمة دون أن يناصب علماء عصره العداء مع إدراكه أن أغلبهم أشاعرة، لذا كانت التعامل بهذ الصورة السامقة.
2 - هنا لفتة مهمة وهى ترتيب المهام وأولويات فالذى يموت وهو يعتقد في قبر أو وثن يموت كافرا مشركا، وأما الذى يموت على معتقد الأشاعرة أو الماتردية ندعو الله عز وجل له بالرحمه ولا زال أهل العلم يدعون للعلماء السابقين بالرحمة والمغفرة عن زلات من مثل ذلك.
3 - مدى قراءة الإمام المجدد رحمه الله لواقعه وعصره، وكيفية استدلاله على علماء عصره ومحجاتهم في أكبر القضايا وهى توحيد القصد والإرادة (العبادة -الألوهية)،سواء كان نقضه لأوثان العبادة كالدعاء والنذر والطواف وغيرها أنظر (باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده - باب ما جاء في أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله- فهل نسكت عمن يعبد هذه الأوثان، ونسكت عمن يُواليهم ومن يدافع عنها ويتخذهم أعوانا بل يدفع بهم لضرب دعاة التوحيد - أنظر الصلات الآثمة بين الغرب والتصوف، وبين التصوف والطواغيت)،أو هدمه أوثان العبادة في الحكم بغير ما أنزل الله، وتحاكمهم إلي التقاليد والعادة وكل ما خالف شرع الله أنظر (باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا من دون الله) - فما بالنا بأحكام الكفار فرنسية كانت أو إنجليزية ألا يكفي تنحية الشريعة ومشابهة الكفار، فضاع الشرع،وضاعت معانى الولاء والبراء.
4 - سؤال لماذا كل هذه الجهود المبذولة للرد على الأشاعرة والماتردية مثلا؟!،وترك القضية التي يمكن أن تكون سببًا لدعوة هؤلاء، واستجابتهم لدعوة التوحيد ألا وهي نقاء التوحيد والتعبد لله بمقتضى أسمائه وصفاته، وإبراز قضية توحيد العبادة والإلحاح على ذلك، وجعل ذلك استراتيجة للمواجهة كما هو الحال في دعوة الرسل عليهم السلام،ثم إذا هدمنا هذه الأوثان يسهل إن شاء الله تلقى المنهج كاملا.
5 - الملاحظ أن هذه القضايا الكثيرة المتناثرة أثرت على جهود الجميع بل عصفت بأحلام الكثيرين، لو ركزنا على تطهير مساجدنا من البدع الشركية والبدع الطرقية وغيرها، لكان هذا سببا وسبيلا إلي صلاح الأرض كلها،إن الله عز وجل يغار أن تنتهك محارمه، فما بالنا بالشرك يقع في أحب البقاع إليه في بيوته، لابد وأن يرتعد بدنك، ويرتجف قلبك، وتدمع عينك، وأنت ترى بيوت الله، ومنائر التوحيد قد صارت إلي ما ترى وتعرف.
6 - التركيز في التعامل مع آيات وأحاديث الصفات يكون على الجانب التعبدي،لأن الكثير من عموم أهل الإسلام لا يعرف من هم الأشاعرة ولاالماتردية، فضلا عن المعتزلة وغيرهم، وتغليب التفقه في الأسماء ليس معناه الإمعان في تدريس الإختلاف، وثم لو تذكرنا التعريج على المسائل التعبدية وإنا لله وإنا إليه راجعون.
تنبيه مهم: المقصود بذلك أن ينتبه الدعاة والعلماء في الدول والتجمعات ذات الإتجاه الصوفي والقبوري إلي القضايا الكلية وتوجيه الناس إليها،وسؤال هل أفرد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب مسئلة الصفات الإلهية بمصنف خاص؟ ولست أتكلم على علماء نجد قاطبة بل حديث على مهد الدعوة وبدايتها ومقصدي تصانيف الإمام المجدد الذى حارب الوثنية والقبورية،وما أظنه إلا من عظيم فقه الأولويات عنده رحمه الله تعالى