هذا صحيح، بل هو يجد المتعة في الذكر والصلاة منذ بعثه الله، ثم فرض عليه الصلاة والذكر، ومع ذلك كان يأكل ويشرب ويجاهد ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويتزوج النساء،ونهى عن التبتل عليه الصلاة والسلام ويحث على العمل والزراعة، ويبين ما في ذلك من الفضل، وبرَّأه الله من رهبانية النصارى، وبرَّأه الله من طرق غلاة الصوفية.
أما قولك: "بل كان يقول: أحبوا الله لما يغذوكم به من النعم وأحبوني لحب الله إيَّاي".
فهو حديث ضعيف، رواه الترمذي والحاكم وأبو نعيم في "الحلية".
وقد ضعَّفه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " (1/ 262).
وشيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (5/ 396).
والألباني في "الجامع الصغير" حديث (176).
لأن في إسناده عبد الله بن سليمان النوفلي.
قال الذهبي في "الكاشف": "روى عنه هشام بن يوسف بس. ت ".
يعني أنه مجهول، وقال في "المغني": "لم يرو عنه سوى هشام بن يوسف"، يعني أنه مجهول.
وأورده الذهبي أيضا في "الميزان" (2/ 432)، وقال فيه جهالة، ما حدَّث عنه سوى هشام بن يوسف.
وأورد هذا الحديث لبيان ضعفه.
وقال الحافظ فيه: "مقبول" يعني إذا توبع، وإلا فهو لين الحديث عنده، وهذا الحديث ليس له متابعة.
والظاهر أنَّ أنور أورده لدعم مذهب الصوفية الذين يركزون في صلتهم بالله على الحب فقط!.
يقول بعض السَّلف: " من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو خارجي، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو الموحد ".
- الثالث عشر: قال الكاتب أنور: " ولو رجعنا إلى القرآن الكريم لوجدنا أول سورة جاء فيها ذكر الحور العين هي سورة الدخان وهي سورة مكية يقول فيها سبحانه وتعالى (كذلك وزوجناهم بحور عين) فكانت في وصف ما أنعم الله به على المتقين قال يونس بن حبيب في تفسير هذه الآية: إن ذلك لا يعني النكاح بل المقارنة، والعرب لا تقول تزوجت بها، بل تقول تزوجتها، واتفق معه الواحدي والفراء في ذلك.
إن التنزيل يدل على ما ذهب إليه يونس فقد قال سبحانه وتعالى (فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها)، وإذا قيل زوجته بفلان ولم يقل زوجته لفلان فهذا يعني أني شفعته به أي جعلته مرافقا معه، وقد قال سبحانه وتعالى (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين) وقد قال تعالى (ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين) ".
- أقول: لقد ذكر الكاتب في هذا السياق يونس بن حبيب والواحدي والفراء -والله أعلم- ليوهم أن هؤلاء العلماء على طريقته في أنه لا يوجد الجنس أي الجماع في الجنة وإنما هو متاع معنوي لا جسدي!
وحاشاهم ثم حاشاهم من هذا الضَّلال.
- أقول: ويونس بن حبيب تكلم بمبلغ علمه، وفاته لغة بعض العرب في هذه اللفظة، فقد أورد الشوكاني قوله هذا القول، ثم قال: "وقال الفراء: زوجته بامرأة لغة أزد شنوءة " "فتح القدير" (5/ 117).
فعلى هذا يتعدى لفظ زوَّج بالباء، فيسقط ما توهمه هذا الرجل.
ومما يدلك على براءة الواحدي -رحمه الله- من هذا المذهب المهلك قوله في تفسيره "الوسيط" (4/ 93) في تفسير قول الله تعالى من سورة الدخان (وزوجناهم بحور عين): "أي قرناهم بهن وليس من عقد التزويج،لأنه لا يقال: زوجته بامرأة، وقال أبو عبيدة: جعلناهم أزواجاً بهن كما يزوج النعل بالنعل أي جعلناهم اثنين اثنين ونحو هذا، قال الأخفش: جعلناهم أزواجاً بالحور وهن البيض الوجوه. وقال أبو عبيدة: الحوراء الشديدة بياض العين الشديدة سوادها، والعين جمع عيناء وهي العظيمة العينين".
فهو لا ينفي أن الله يزوج أهل الجنة بالحور العين ليتمتعوا بهن تمتع الأزواج بالزوجات.
وإنما نفى أن يكون التزويج بصيغة العقد كما هو الحاصل في الدنيا بين الزوج وولي الزوجة، ولا ينفي أن الله قد زوجهم بهن وأباح لهم جماعهن، بل هو وكل مؤمن لا ينفون هذا، بل يؤمنون ويوقنون به.
ولا ينفيه إلا اليهود والنصارى ونحوهم من أهل الضلال كما ذكر ذلك العلماء.
وانظر إلى قوله في بيان معنى قوله تعالى: (يدعون فيها بكل فاكهة آمنين) حيث يقول: "من التخم والأسقام والأوجاع"، أي التي تصيب أهل الدنيا بسبب الأكل، يعني فأهل الجنة مهما أكلوا من الفواكه وغيرها لا تصيبهم الآفات من التخم والأوجاع كما تصيب أهل الدنيا، وذلك من تمام إنعام الله عليهم.
¥