تأمل قوله تعالى: (فَبِأَيِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) مرات عديدة عقب كل وصف من أوصاف الجنة وما فيها، من قوله: (ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ) إلى قوله: (هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ)، وعقب هذه الآية كغيرها بقوله: (فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ).
واقرأ ما بعد ذلك من الآيات إلى نهاية سورة الرحمن، واحسب ألف حساب لهذا الوعيد.
وقال تعالى في سورة الواقعة: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الأوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).
وقال تعالى في سورة النبأ: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً وَكَأْساً دِهَاقاً لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَاباً جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً).
والكواعب الأتراب هن الحور العين.
وقال تعالى في سورة محمد الآية (15): (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِى النَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ).
- أقول: لا يشك مسلم أن هذه حقائق، أنهار من كل الأصناف التي ذكرها الله، وفيها من الثمرات مما لا يحصيه إلا الله –عزّ وجلّ- يتمتع بكل ذلك أهل الجنة أكلاً محسوساً وشرباً محسوساً لا معنوياً خيالياً، وأهل النار مخلدون فيها؛ يسقون فيها ماء حميما يقطع أمعاءهم، ولهم غير ذلك من أصناف العذاب كما ذكر الله ذلك في غير موضع، ومنها قوله تعالى: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً) [سورة الإنسان: (4)].
وقال تعالى: ( ... فَالَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَآ أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ)، [سورة الحج: (19 - 22)].
- أقول: إن المسلمين ليؤمنون بأن هذه الأمور المفزعة التي يلقاها أهل النار حقائق واقعة محسوسة، يعذب بها أعداء الله، وليست أمور معنوية.
ولا أدري ماذا يقول فيها هذا الكاتب، وإني لأخشى أن يقول ويعتقد أنها أمور معنوية، وأعيذه بالله من ذلك.
وقال صلى الله عليه وسلم: " أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة. لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون. أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة (عود الطيب) أزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم؛ ستون ذراعا في السماء". متفق عليه.
وفي رواية للبخاري ومسلم: " آنيتهم فيها الذهب، ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحُسْنِ، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب رجل واحد، يسبحون الله بكرة وعشيا ".
وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجنة فإن ريح الجنة ليوجد من مسيرة مائة عام ".
وفي رواية: " وإن لريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام " رواه ابن حبان في صحيحه.
وقال الألباني: حديث صحيح.
¥