فقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2/ 54): وقد نقل القدوة أبو محمد بن أبي جمرة عن أبي الوليد الباجي عن أبي جعفر السمناني وهو من كبار الاشاعرة أنه سمعه يقول: أن هذه المسألة من مسائل المعتزلة بقيت في المذهب والله المستعان.
ورد أبو المظفر ابن السمعاني هذا المبدأ الأشعري الاعتزالي ووصفه بأنه قول مبتدع لم يعرفه السلف الذين كان أول الواجب عندهم الإتيان بالشهادتين.
كما سيأتي من قول الحافظ بعد.
رد ابن حجر على هؤلاء واستدلاله بكلام خطير للقرطبي
قال: وقد ذكرت في كتاب الإيمان من أعرض عن هذا من أصله وتمسك بقوله تعالى (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها) وحديث كل مولود يولد على الفطرة فإن ظاهر الآية والحديث ان المعرفة حاصلة بأصل الفطرة وان الخروج عن ذلك يطرأ على الشخص لقوله عليه الصلاة و السلام فأبواه يهودانه وينصرانه.
وقد وافق أبو جعفر السمناني وهو من رؤوس الأشاعرةعلى هذا وقال: إن هذه المسألة بقيت في مقالة الأشعري من مسائل المعتزلة وتفرع عليها ان الواجب على كل أحد معرفة الله بالأدلة الدالة عليه وانه لا يكفي التقليد في ذلك. انتهى
رد العلائي عليهم
وقرأت في جزء من كلام شيخ شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائي ما ملخصه:
ان هذه المسألة مما تناقضت فيها المذاهب وتباينت بين مفرط ومفرط ومتوسط فالطرف الأول قول من قال يكفي التقليد المحض في اثبات وجود الله تعالى ونفي الشريك عنه وممن نسب إليه إطلاق ذلك عبيد الله بن الحسن العنبري وجماعة من الحنابلة والظاهرية ومنهم من بالغ فحرم النظر في الأدلة واستند إلى ما ثبت عن الأئمة الكبار من ذم الكلام كما سيأتي بيانه والطرف الثاني قول من وقف صحة ايمان كل أحد على معرفة الأدلة من علم الكلام ونسب ذلك لأبي إسحاق الأسفرايني وقال الغزالي: أسرفت طائفة فكفروا عوام المسلمين وزعموا ان من لم يعرف العقائد الشرعية بالأدلة التي حرروها فهو كافر فضيقوا رحمة الله الواسعة وجعلوا الجنة مختصة بشرذمة يسيرة من المتكلمين.
وذكر نحوه أبو المظفر بن السمعاني وأطال في الرد على قائله ونقل عن أكثر أئمة الفتوى أنهم قالوا لا يجوز ان تكلف العوام اعتقاد الأصول بدلائلها لأن في ذلك من المشقة أشد من المشقة في تعلم الفروع الفقهية وأما المذهب المتوسط فذكره وسأذكره ملخصا بعد هذا.
رد القرطبي عليهم والإشارة الى تكفير قائله
وقال القرطبي في المفهم في شرح حديث أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم الذي تقدم شرحه في أثناء كتاب الأحكام وهو في أوائل كتاب العلم من صحيح مسلم:
هذا الشخص الذي يبغضه الله هو الذي يقصد بخصومته مدافعة الحق ورده بالأوجه الفاسدة والشبه الموهمة وأشد ذلك الخصومة في أصول الدين كما يقع لأكثر المتكلمين المعرضين عن الطرق التي أرشد إليها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسلف أمته إلى طرق مبتدعة واصطلاحات مخترعة وقوانين جدلية وأمور صناعية مدار أكثرها على آراء سوفسطائية أو مناقضات لفظية ينشأ بسببها على الآخذ فيها شبه ربما يعجز عنها وشكوك يذهب الإيمان معها وأحسنهم انفصالا عنها أجدلهم لا أعلمهم فكم من عالم بفساد الشبهة لا يقوى على حلها وكم من منفصل عنها لا يدرك حقيقة علمها ثم ان هؤلاء قد ارتكبوا أنواعا من المحال لا يرتضيها البله ولا الأطفال لما بحثوا عن تحيز الجواهر والألوان والأحوال فأخذوا فيما أمسك عنه السلف الصالح من كيفيات تعلقات صفات الله تعالى وتعديدها واتحادها في نفسها وهل هي الذات أو غيرها وفي الكلام هل هو متحد أو منقسم وعلى الثاني هل ينقسم بالنوع أو الوصف وكيف تعلق في الأزل بالمأمور مع كونه حادثا ثم إذا انعدم المأمور هل يبقى التعلق وهل الأمر لزيد بالصلاة مثلا هو نفس الأمر لعمرو بالزكاة إلى غير ذلك مما ابتدعوه مما لم يأمر به الشارع وسكت عنه الصحابة ومن سلك سبيلهم بل نهوا عن الخوض فيها لعلهم بأنه بحث عن كيفية ما لا تعلم كيفيته بالعقل لكون العقول لها حد تقف عنده ولا فرق بين البحث عن كيفية الذات وكيفية الصفات ومن توقف في هذا فليعلم أنه إذا كان حجب عن كيفية نفسه مع وجودها وعن كيفية إدراك ما يدرك به فهو عن إدراك غيره أعجز وغاية علم العالم أن يقطع بوجود فاعل لهذه المصنوعات منزه عن الشبيه مقدس عن النظير متصف بصفات الكمال ثم
¥