وهذه العبارة التكفيرية لأبي سفيان والتي نشرها فضل الله في موقعه؛ الحقيقة أنها مسروقة من كتاب محمد جواد الفقيه (سلسلة الأركان الأربعة: المقداد بن الأسود) لكن فضل الله عدّل فيها قليلاً لتخف حدتها، ويمكن مقارنة النص السابق بالنص الأصلي المسروق:
(أثار حفيظة المخلصين فدفعهم إلى الجهر بالمعارضة، فقد تناهى إلى سمعهم قول لأبي سفيان في محضر الخليفة تستشم منه رائحة الإِلحاد في دين الله، وبداية التفكير في تحويل الخلافة الى ملك) [المقداد بن الأسود، محمد جواد الفقيه، دار التعارف، ص161]
والغريب أن فضل الله في مقالته عن المقداد ذكر عدداً من المصادر القديمة ولم يذكر هذا المصدر المعاصر الذي اختلس منه هذه المادة! فهي شتيمة ومسروقة أيضاً!
والمراد أن محمد جواد الفقيه يعتبر أباسفيان ملحد، بينما فضل الله يعتبره منكراً للنبوة والرسالة فقط!
ويرى فضل الله أيضاً أن أبا سفيان –رضي الله عنه- كان يعطل مشروع الرسول –صلى الله عليه وسلم- كما يقول:
(أبا سفيان كان يمثّل قيادة هذا الحزب القرشي الذي عطّل مشروع رسول الله وأشغله بحروب دامية) [قراءة في رسالة الإمام الحسن، محمد حسين فضل الله، نشرة فكر وثقافة، 5 أيار 2001م، الموقع الرسمي]
وهناك طعون أخرى كثيرة ذكرها فضل الله في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بعضها صريح، بينما أكثرها بطريقة ملفوفة وغير حادة، وهو –بصراحة- موهوب في كيفية تمرير القدح في الصحابة من خلال ابتسامات دبلوماسية هادئة جداً.
وأما غلوه في آل البيت وإنزالهم منزلة فوق المنزلة الشرعية التي أنزلهم الله إياها فهذا كثير جداً، ومن تلك النماذج التي توحي بلاعقلانية الرجل قوله:
(ارتفعت الزهراء إلى مقام العصمة وسمت إلى مرتبة القداسة .. ، إننا نعتقد أن الزهراء معصومة عن الخطأ والزلل والسهو والنسيان .. ، فإن هذا ما نستوحيه من وصول المرأة ـ كالزهراء ـ إلى مرتبة العصمة المختصّة بالأنبياء) [الزهراء القدوة، محمد حسين فضل الله، الفصل الثالث، فقرة العصمة]
قارن هذا الغلو اللاعقلاني في فاطمة الزهراء بما ذكره هو نفسه عن الأنبياء، حيث يقول في تفسيره المسمى (من وحي القرآن) مايلي:
(الأسلوب القرآني لا يريد أن يعمِّق في ذهننا الإسلامي الفكرة التي تتحدث عن شخصية الأنبياء بالمستوى الذي يوحي بأن هناك أسراراً فوق العادة تكمن في داخل شخصيتهم .. فهناك أكثر من نقطة ضعف .. ويمكن أن تتحرك لتصنع أكثر من وضعٍ سلبيٍّ على مستوى التصوُّر والممارسة). [من وحي القرآن، فضل الله، سورة طه، 115]
فاطمة –رضوان الله عليها- بلغت عنده مرتبة القداسة فلا يعرض لها السهو ولا النسيان، بينما الأنبياء لديهم أوضاع سلبية على مستوى التصور والممارسة!
بل قارن بين قوله أن فاطمة –رضوان الله عليها- معصومة عن السهو والنسيان بكون النبي نفسه –صلى الله عليه وسلم- سها في صلاته مرات عديدة!
وحين جاء فضل الله يريد أن يحلّل سبب فشو ظاهرة تأليه الأنبياء اتهم الأنبياء أنفسهم –صلوات الله عليهم- بأنهم يخطئون أحياناً فيدعون الناس لعبادتهم! كما يقول في تفسيره:
(وربَّما يتعلّل هؤلاء وأولئك بانتماء هذا الفكر إلى الأنبياء، فهم يدعون النّاس إلى أن يكونوا عباداً لهم، بتقديم فروض العبادة لهم، وبتقديسهم بالمستوى العظيم الذي يرتفع بهم إلى مستوى الربوبيّة، وقد يحدث ذلك من خلال ما يريد النبيّ لنفسه من قداسة وتأليه، وقد يحدث ذلك من خلال ما يفرضه أحد الأنبياء من توجيه النّاس إلى عبادة نبيّ آخر، أو في تأليه الملائكة، وذلك لما يثيره الأنبياء أمام النّاس من قصص وتعليمات في عظمة الملائكة وقداستهم التي تصل بهم إلى مستوى التأليه والربوبيّة) [من وحي القرآن، فضل الله، سورة آل عمران، 79]
ومما هو لصيق الصلة بالموقف من الأنبياء أن فضل الله لما وصل في تفسيره المشار إليه المسمى (من وحي القرآن) إلى آية (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) [البقرة، 213] أورد كلام الطباطبائي وأنه استدل بآية البقرة هذه على عصمة الأنبياء في تبليغ الوحي (ما يسمونه عندهم "العصمة التبليغية") فاعترض عليه "فضل الله" ورفض كلام الطباطبائي وجوز وقوع النبي في الخطأ في تبليغ الوحي! حيث يقول فضل الله في تفسيره:
¥