فهذا مثله كمثل من يقول الفاتحة في الصلاة فرض عند الجمهور، واجب عند الحنفية، و كلاهما يتفق على أنه يلزم المصلي إيقاعها، فالخلف لفظي بينهم في تلك الصورة، وهذا غلط فإن الجمهور يبطلون صلاة من تركها متعمدا، أما الحنفية فيصححون صلاته مع الإثم، فكيف يقال لا مشاحة بينهما في الاصطلاح، سواء كان واجبا أو فرضا المحصلة أنه يلزمه الإتيان بها.
قال الشوكاني وهو يبحث قول من يقول بالفرق بين نافلة يسميها سنة ونافلة يسميها مستحبة: (والحق يقال: إن الكل يصدق عليه اسم السنة، وإن كان بعضه آكد من بعض؛ لكونه ثابتاً بالسنة النبوية، بل السنة تشمل ما ثبت وجوبه بالسنة. فإن قلت: هذا اصطلاح، ولا مشاحة فيه.
قلت: إذا جري اصطلاح علي ما يخالف المعني الشرعي فهو مدفوع من أصله) السيل الجرار.
كذلك هنا، نقول إذا كان الخلاف في الاصطلاح ليس إلا اختلافا في العبارة، واتفق المعنى فلا إشكال، وهنا يرد أنه لا مشاحة في الاصطلاح، فمن سماه توحيد ربوبية كمن سماه توحيد إثبات ومعرفة، كمن سماه توحيدا علميا، من حيث المعنى لا خلاف حقيقي، وإنما يكون البحث صناعيا لا شرعيا في النظر أي الاصطلاحات أصدق في الدلالة على المعنى المراد.
أما من يقول التوحيد إفراد القديم من المحدث، أو نفي الكم المتصل والمنفصل، فكيف يقال لا مشاحة في اصطلاحه، و الوجهان السابقان يجريان عليه،
فأولهما أن تقسيمه ليس شرعيا عندنا، بل بدعي، ليس مورده النص، بل مورده الفلسفة والكلام والشبهات الفاسدة، بخلاف تقسيمنا فمورده شرعي،
والثاني أن الحكم الذي يحتويه اصطلاحه مباين أصلا للحكم الذي يحتويه اصطلاحنا
فمن سجد لمخلوق عنده لم يناقض التوحيد (إفراد القديم من المحدث)، أما من سجد لمخلوق عندنا فقد ناقض التوحيد (إفراد الله بالربوبية والألوهية).
يقول شيخ الإسلام: (وقد رأيت من كلام الناس في هذا الباب وغيره ألوانا لا يسعها هذا الموضع وكثير من نزاع الناس يكون نزاعا لفظيا أو نزاع تنوع لا نزاع تناقض:
فالأول مثل أن يكون معنى اللفظ الذي يقوله هذا هو معنى اللفظ الذي يقوله هذا وإن اختلف اللفظان فيتنازعان لكون معنى اللفظ في اصطلاح أحدهما غير معنى اللفظ في اصطلاح الآخر وهذا كثير
والثاني أن يكون هذا يقول نوعا من العلم والدليل صحيحا ويقول الآخر نوعا صحيحاً)
وهذا حاصل في تقسيم التوحيد، فمن النوع الأول اختلاف عناوين الأقسام واتحاد معناها، وقد يحصل الخلاف في كون عنون ما أولى من الآخر لاحتماله معاني لم يحملها الآخر.
ومن الثاني من أفرد توحيد الأسماء والصفات، ومن أدرجه في الربوبية، فهذا خلاف تنوع لا تضاد.
ومن هذا الباب ذم السلف لاصطلاحات المتكلمين، فإن ذمهم لها ليس لمجرد كونها اصطلاحا، فكلمة الجوهر أو العرض من حيث هي لا تذم أو تمدح من حيث الشرع، وإنما التشاحح معهم لم يكن لمجرد الاصطلاح، بل لاشتمال الاصطلاح على المعنى الباطل.
قال شيخ الإسلام في الدرء (فالسلف والأئمة لم يذموا الكلام لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المولدة كلفظ الجوهر والعرض والجسم وغير ذلك بل لأن المعاني التي يعبرون عنها بهذه العبارات فيها من باطل المذموم في الأدلة والأحكام ما يجب النهي عنه لاشتمال هذه الألفاظ علي معان مجملة في النفي والإثبات)
وقال في جامع الرسائل (وإن أريد بالأعراض والحوادث اصطلاح خاص فإنما أحدث ذلك الاصطلاح من أحدثه من أهل الكلام، وليست هذه لغة العرب ولا لغة أحد من الأمم، لا لغة القرآن ولا غيره ولا العرف العام ولا اصطلاح أكثر الخائضين في العلم، بل مبتدعو هذا الاصطلاح هم من أهل البدع المحدثين في الأمة الداخلين في ذم النبي صلى الله عليه وسلم. وبكل حال مجرد هذا الاصطلاح وتسمية هذه أعراضاً وحوادث لا يخرجها عن أنها من الكمال الذي يكون المتصف به أكمل ممن لا يمكنه الاتصاف بها أو يمكنه ذلك ولا يتصف بها.)
وهذا كله فيما كان تقسيمه اصطلاحيا يقوم على الاستقراء الشرعي، أما ماكان تقسيمه يقوم على النص الشرعي فهذا لا يسع أحدا مخالفته كما تقدم.
والله أعلم.
ـ[محمد الحافي]ــــــــ[15 - 07 - 10, 10:23 ص]ـ
فلتكن هذه ليست أقساما للتوحيد, فلنقل إن الموحد يجب أن يقر بربوبية خالقه, وأنه لايتحق العبادة إلا هو, وأنه له الأسماء الحسنى والصفات العلى.
ومتى اختل واحد من هذه الثلاثة -سمها ما شئت أقساما أو شروطا أو غير ذلك- اختل توحيده.
لا أدري هل ينازع في وجوب الإقرار بهذ أحد؟
ـ[عمرو بسيوني]ــــــــ[15 - 07 - 10, 10:26 ص]ـ
أخي الحافي هل فهمت من كلامي أني أقول إنه لا يجب الإقرار بها؟
ـ[ابوالعلياءالواحدي]ــــــــ[15 - 07 - 10, 01:49 م]ـ
أما قولك أنه لم ينص عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين بلا نزاع .. فهذا مما لا يسلم لك به .. فقد روى ابن جرير الطبري رحمه الله اثر ابن عباس المشهور رضي الله عنه في معنى " الله ": قال ذو الألوهية والمعبودية على خلقه أجمعين ..
.
يا أخي. هذا أثر ضعيف باتفاق. ثم هو ـ لو صح ـ لا يدل الا على جزء من المطلوب الذي هو توحيد الالوهية
¥