مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف188] (وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْراً اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) [هود31] لو قال ذلك الرسول أو ادعاه لكان من الظالمين، حاشاه – صلى الله عليه وسلم _ حاشاه.
وهؤلاء الجن يعترفون بعجزهم وعدم علمهم للغيب (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) [سبأ14]
من ادعى علم الغيب كان من الكافرين. قال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمَنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) (الجن 26، 27).
عِلْمُ الْغَيْبِ مِنْ صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ الَّتِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا دُونَ مَنْ سِوَاهُ , فَلَا سَمِيَّ له ولا مُضَاهِيَ وَلَا مُشَارِكَ: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ)، (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)، (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ)، (أَعْنَدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى).
الغيب لا يعلمه إلا الله، هو وحده المطلع على الأمور , الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور, فإذا علم المؤمن هذا كله اطمأن قلبه بالله , وقويت عقيدته في الله , وفر من الله إلى الله , لا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه. (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) [الرعد9]. (عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [المؤمنون92]. (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) [الحشر22]
إذا علمنا هذا فينبغي أن يكون لهذا العلم أثر في سلوكنا وأعمالنا , فلا يجوز للمسلم أن يقف على باب أحدٍ سواه , لماذا نقف على أبواب السحرة والمشعوذين؟ لماذا نقف على أبواب الكهنة والعرافين؟ لماذا نقف أمام التخريفات والدجل والخزعبلات التي تتلاعب بعقيدتنا وعقولنا وإيماننا بربنا؟، أطردنا عن باب الله؟! أطردنا من رحمة الله؟! , حتى نقف بباب من سواه؟ هل بيننا وبين الله حجاب؟ هل بيننا وبين الله واسطة تحول بيننا وبين إجابة الدعاء وكشف البلاء وإزالة العناء؟ وهل وصل بنا الحال أن نبيع عقائدنَا وإيماننَا بربنا من أجل لهو باطل، وتنبؤات هي ضَربٌ من الحظ من حيوانات أو غيرها هي فتنة للذين كفروا؟.
روى مسلم -رحمه الله- في صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها – قالت: سأل رسولَ الله - صلى الله عليه وسلّم - أناسٌ عن الكُهّان، فقال: «إنهم ليسوا بشيء» فقالوا: يا رسول الله، إنهم يحدّثونا أحيانا بشيء فيكون حقّاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلّم -: «تلك الكلمة من الحق يخطفها الجِنيّ فيُقرّها في أذن ولِيّه (قَرّ الدجاجة) فيخلطون معها مائة كذبة».
وأخرجه البخاريّ – أيضاً - من حديث عائشة ـ رضي الله عنها - أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلّم -، يقول: «إن الملائكة تنزل في العَنَان وهو السحاب فتذكر الأمر قُضِي في السماء فتَسْتَرِق الشياطينُ السمع فتسمعه فتوحِيه إلى الكُهّان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم
وما أروع قول أبي تمام الطائي في رده على المنجمين في قصيدته التي قالها للمعتصم، عندما خوفه المنجمون من فتح عمورية وغزوها، وهي نحو من سبعين بيتاً أجيز على كل بيت منها بألف درهم، قام منشداً له على رؤس الأشهاد:
السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب
إلى أن قال:
والعِلْمُ في شُهبِ الأرماح لامعة ... بين الخميسين لا في السبعة الشهبِ
¥