تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلا تقع تلك الطاعات في مقابلة نعمه وحقوقه فلو عذبهم لعذبهم بحقه عليهم لأنهم إذا فعلوا مقدورهم من طاعته لم يكلفوه بغيره فكيف يعذبون على ترك ما لا قدرة لهم عليه وهل ذلك إلا بمنزلة تعذيبهم على كونهم لم يخلقوا السماوات والأرض ونحو ذلك مما لا يدخل تحت مقدورهم قالوا فلا وجه لهذ ا الحديث الإ رده أو تاويله وحمله على معنى يصح وهو أنه لو أراد تعذيبهم جعلهم أمة واحدة على الكفر فلو عذبهم في هذه الحال لكان غير ظالم لهم وهو لم يقل لو عذبهم مع كونهم مطيعين له عابدين له لعذبهم وهو غير ظالم لهم ثم أخبر أنه لو عمهم بالرحمة لكانت رحمته لهم خيرا من أعمالهم ثم أخبر أنه لا يقبل من العبد عمل حتى يؤمن بالقدر والقدر هو علم الله بالكائنات وحكمه فيها ووقفت طائفة أخرى في وادي الحيرة بين القدر والأمر والثواب والعقاب فتارة يغلب عليهم شهود القدر فيغيبون به عن الأمر وتارة يغلب عليهم شهود الأمر فيغيبون عن القدر وتارة يبقون في حيرة وعمى وهذا كله إنما سببه الأصول الفاسدة والقواعد الباطلة التي بنوا عليها ولو جمعوا بين الملك والحمد والربوبية والإلهية والحكمة والقدرة وأثبتوا له الكمال المطلق ووصفوه بالقدرة التامة الشاملة والمشيئة العامة النافذة التي لا يوجد كائن إلا بعد وجودها والحكمة البالغة التي ظهرت في كل موجود لعلموا حقيقة الأمر وزالت عنهم الحيرة ودخلوا إلى الله سبحانه من باب أوسع من السماوات السبع وعرفوا أنه لا يليق بكماله المقدس إلا ما أخبر به عن نفسه على ألسنة رسله وأن ما خالفه ظنون كاذبة وأوهام باطلة تولدت بين أفكار باطلة وآراء مظلمة فنقول وبالله التوفيق وهو المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله

الرب تبارك اسمه وتعالى جده ولا إله غيره هو المنعم على الحقيقة بصنوف النعم التي لا يحصيها أهل سماواته وأرضه فإيجادهم نعمة منه وجعلهم أحياء ناطقين نعمة منه وإعطائهم الأسماع والأبصار والعقول نعمة منه وإدرار الأرزاق عليهم على اختلاف أنواعها وأصنافها نعمة منه وتعريفهم نفسه بأسمائه وصفاته وأفعاله نعمة منه وإجراء ذكره على ألسنتهم ومحبته ومعرفته على قلوبهم نعمة منه وحفظهم بعد أيجادهم نعمة منه وقيامه بمصالحهم دقيقها وجليلها نعمة منه وهدايتهم إلى أسباب مصالحهم ومعايشهم نعمة منه وذكر نعمه على سبيل التفصيل لا سبيل إليه ولا قدرة للبشر عليه ويكفي أن النفس من أدنى نعمه التي لا يكادون يعدونها وهو أربعة وعشرون ألف نفس في كل يوم وليلة فلله على العبد في النفس خاصة أربعة وعشرون ألف نعمة كل يوم وليلة دع ما عدا ذلك من أصناف نعمه على العبد ولكل نعمة من هذه النعم حق من الشكر يستدعيه ويقتضيه فإذا وزعت طاعات العبد كلها على هذه النعم لم يخرج قسط كل نعمة منها إلا جزء يسير جدا لا نسبة له إلى قدر تلك النعمة بوجه من الوجوه قال أنس بن مالك ينشر للعبد يوم القيامة ثلاثة دواوين ديوان فيه ذنوبه وديوان فيه العمل الصالح فيأمر الله تعالى أصغر نعمة من نعمه فتقوم فتستوعب عمله كله ثم تقول أي رب وعزتك وجلالك ما استوفيت ثمني وقد بقيت الذنوب والنعم فإذا أراد الله بعبد خيرا قال ابن آدم ضعفت حسناتك وتجاوزت عن سيآتك ووهبت لك نعمى فما بيني وبينك وفي صحيح الحاكم حديث صاحب الرمانة الذي عبد الله خمسمائة سنة يأكل كل يوم رمانة تخرج له من شجرة ثم يقوم إلى صلاته فسأل ربه وقت الآجل آن يقبضه ساجدا وان لا يجعل للأرض عليه سبيلا حتى يبعث وهو ساجد فإذا كان يوم القيامة وقف بين يدي الرب فيقول تعالى ادخلوا عبدي الجنة برحمتي فيقول رب بل بعملي فيقول الرب جل جلاله قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله فتؤخذ نعمة البصر بعبادة خمسمائة سنة وبقيت نعمة الجسد فضلا عليه فيقول ادخلوا عبدي النار فيجر إلى النار فينادي رب برحمتك رب برحمتك ادخلني الجنة فيقول ردوه فيوقف بين يديه فيقول يا عبدي من خلقك ولم تكن شيئا فيقول أنت يا رب فيقول من قواك على عبادة خمسمائة سنة فيقول أنت يا رب فيقول من أنزلك في جبل وسط اللجة وأخرج لك الماء العذب من الماء المالح وأخرج لك كل يوم رمانة وانما تخرج مرة في السنة وسألتني آن اقبضك ساجدا ففعلت ذلك بك فيقول أنت يا رب فيقول الله فذلك برحمتي وبرحمتي أدخلك الجنة رواه من طريق يحيى بن بكير حدثنا الليث بن سعد عن سليمان بن هرم عن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير