رابعاً: نقول: ما تقولون في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "حجابه النور، لو كشفه، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه". فهل الثواب له هذا النور الذي يحرق ما انتهى إليه بصر الله من الخلق؟! أبداً، ولا يمكن.
وبهذا عرفنا بطلان قولهم، وأن الواجب علينا أن نفسر هذا الوجه بما أراده الله به، وهو وجه قائم به تبارك وتعالى موصوف بالجلال والإكرام.
فإن قلت: هل كل ما جاء من كلمة (الوجه) مضافاً إلى الله يراد به وجه الله الذي هو صفاته؟
فالجواب: هذا هو الأصل، كما في قوله تعالى:] ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه [[الأنعام: 52]،] وما لأحد عنده من نعمة تجزى (19) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى (20) ولسوف يرضى [[الليل: 19 - 21] ... وما أشبهها من الآيات.
فالأصل أن المراد بالوجه المضاف إلى الله وجه الله عز وجل الذي هو صفة من صفاته، لكن هناك كلمة اختلف المفسرون فيها، وهي قوله: تعالى:] ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله [[البقرة: 115]:] فأينما تولوا [، يعني: إلى أي مكان تولوا وجوهكم عند الصلاة.] فثم [أي: فهناك وجه الله.
فمنهم من قال: إن الوجه بمعنى الجهة، لقوله تعالى:] ولكل وجهة هو موليها [[البقرة: 148]، فالمراد بالوجه الجهة، أي: فثم جهة الله، أي: فثم الجهة التي يقبل الله صلاتكم إليها.
قالوا: لأنها نزلت في حال السفر، إذا صلى الإنسان النافلة، فإنه يصلي حيث كان وجهه، أو إذا اشتبهت القبلة، فإنه يتحرى ويصلي حيث كان وجهه.
ولكن الصحيح أن المراد بالوجه هنا وجه الله الحقيقي، أي: إلى أي جهة تتوجهون، فثم وجه الله سبحانه وتعالى، لأن الله محيط بكل شيء، ولأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المصلي إذا قام يصلي، فإن الله قبل وجهه، ولهذا نهى أن يبصق أمام وجهه، لأن الله قبل وجهه.
فإذا صليت في مكان لا تدري أين القبلة، واجتهدت وتحريت، وصليت، وصارت القبلة في الواقع خلفك، فالله يكون قبل وجهك، حتى في هذه الحال.
وهذا معنى صحيح موافق لظاهر الآية.
والمعنى الأول لا يخالفه في الواقع.
إذا قلنا: فثم جهة الله، وكان هناك دليل، سواء كان هذا الدليل تفسير الآية الثانية في الوجه الثاني، أو كان الدليل ما جاءت به السنة، فإنك إذا توجهت إلى الله في صلاتك، فهي جهة الله التي يقبل الله صلاتك إليها، فثم أيضاً وجه الله حقاً. وحينئذ يكون المعنيان لا يتنافيان.
واعلم أن هذا الوجه العظيم الموصوف بالجلال والإكرام وجه لا يمكن الإحاطة به وصفاً، ولا يمكن الإحاطة به تصوراً، بل كل شيء تقدره، فإن الله تعالى فوق ذلك وأعظم، كما قال تعالى:] ولا يحيطون به علما [[طه: 110].
فإن قيل: ما المراد بالوجه في قوله:] كل شيء هالك إلا وجهه [[القصص: 88]؟ إن قلت: المراد بالوجه الذات، فيخشى أن تكون حرفت وإن أردت بالوجه نفس الصفة أيضاً، وقعت في محظور ـ وهو ما ذهب إليه بعض من لا يقدرون الله حق قدره، حيث قالوا: إن الله يفنى إلا وجهه ـ فماذا تصنع؟!
فالجواب: إن أردت بقولك: إلا ذاته، يعني: أن الله تعالى يبقى هو نفسه مع إثبات الوجه لله، فهذا صحيح، ويكون هنا عبر بالوجه عن الذات لمن له وجه.
وإن أردت بقولك: الذات: أن الوجه عبارة عن الذات بدون إثبات الوجه، فهذا تحريف وغير مقبول.
وعليه فنقول:] إلا وجهه [، أي: إلا ذاته المتصفة بالوجه، وهذا ليس فيه شيء، لأن الفرق بين هذا وبين قول أهل التحريف أن هؤلاء يقولون: إن المراد بالوجه الذات، لأن له وجهاً، فعبر به عن الذات.))
ـ[أبو هند محمد الجزائرى]ــــــــ[22 - 07 - 10, 03:27 م]ـ
بارك الله فيك اخي ابو نسيبة على هذا النقل ورحم الله الامام ابن رجب على هذا الجمع الرائق واعضده بكلام الشاطبي في الاعتصام ليتبين طريق الراسخين من طريق الزائغين
قال الشاطبي ...... فشان الراسخين تصور الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضا ........... وشان متبعي الشبهات اخذ دليل ما -اي دليل كان -وان كان ثم ما يعارضه من كلي او جزئي
وقال الشريعة لا يؤخذ منها الحكم على حقيقة الاستنباط الا بجملتها لا من دليل منها -اي دليل كان- وان ظهر لبادي الراي نطق ذلك الدليل فانما هو توهمي لا حقيقي
قلت وهذا تاصيل ينبغي ان يكون مع طالب العلم في كل احواله خلال ممارسته للكتاب والسنة والا يخرج بشوارد الافهام والاقوال والله المستعان
¥