تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن هذه العلاقة الثابتة بين المنطق و الميتافيزياء التي تبيناها من مختلف المنعطفات في تاريخ المنطق و التي ربط شيخ الإسلام بمقتضاها نقده للمنطق المشائي بالميتافيزياء المشائية، وجدنا أن دفاعه عن المنطق الطبيعي إنما اقتضاه منه هو الآخر دفاعه عن تصوراته الميتافيزيائية و الاعتقادية.

و إلى جانب كل هذا و جدنا شيخ الإسلام في نقده للمنطق المشائي قد اعتمد أصولا اعتمدها فيما بعد فلاسفة انضووا تحت لواء مذهب شامل تسمى بالمذهب التجريبي EMPIRISME الذي يجعل من التجربة الحسية مصدرا لكل ما في ذهن الإنسان من صور ومعان، فهو يرد التعريف إلى معرفة الصفات الحسية كما يرد الاستدلال إلى اللزوم الذي يكون بين شيء و آخر، وظاهرة و أخرى، مما يوحي بان يكون أحدهما علة للآخر، وهو في كل ذلك يجعل المعرفة الضرورية أصلا للمعرفة النظرية، ويرى أن المعرفة الحسية أسرع إلى القبول من المعرفة النظرية، وهو في كل هذا يعمد إلى أصل يشكك به في آراء الخصم بما لا يمكن الشك فيه وهو بداهة التجربة الحسية المتوفرة لدى جميع الناس بمقتضى فطرتهم.

ومهما كانت النزعة التجريبية الحسية شائعة بين النظار الإسلاميين عامة، فإن ابن تيمية يبقى هو الوحيد الذي اعتمدها مذهبا معرفيا و فلسفيا في نقده للمنطق المشائي وهو الوحيد الذي جعل من التجربة الحسية مظهرا لفطرية الدين الإسلامي و معيارا لرد جميع الآراء التي لا تقبلها الفطرة السليمة.

وفي الأخير وجدنا ابن تيمية منفردا في طبيعة عمله و في جلالة هذا العمل، لأنه تفرد بالجمع بين المعرفة بالشريعة الإسلامية و منطقها و بالفلسفة المشائية و منطقها، وبالروح النقدية ولم يبد لنا أن هذه الخصال الثلاث قد اجتمعت لأحد ممن سبقه أو تبعه من الذين عابوا المنطق المشائي، فبعضهم حرمه و بعضهم أوجبه دون أن ينتبه فريق منهم إلى أن المنطق الصناعي لا يمكن تحريمه لأنه يتبطن منطقا طبيعيا فطر الله الناس عليه، ودون أن ينتبه الفريق الآخر إلى أن ما أوجبوه هو تحصيل لحاصل، لأن الله غرز أصول هذا المنطق في فطرة الإنسان، ولذلك بقي نقد ابن تيمية للمنطق المشائي مفتقرا إلى عالم بالشريعة عارف بأساليب التفكير الفطري و صوره الصناعية، متشبع بالروح النقدية حتى يستطيع مواصلة عمل قام به الفقهاء و علماء الكلام الذين جدوا في حماية عقيدة عرفوا بساطتها فنفوا عنها التعقيد و أدركوا صحتها فابعدوا عنها عناصر الفساد، وشعروا بالخطر يتهدد أصالتها، و بالسموم تدب في أوصالها مما كانت تتجرعه من مناهل المعرفة التي كان الصراع من أجل البقاء يوجب عليها ورودها، والتي فتحتها سماحتها على آفاقها جميعا، فهبوا يذودون عنها بسلاح يفل كل سلاح ولا يفله سلاح، هو سلاح الفطرة التي لا يستطيع الإنسان ولو حاول الانسلاخ عنها، بذلك نقدوا الفلسفة المشائية وردوا منطقها و بذلك نقد ابن تيمية منطق المشائين نقدا لم يبلغ أحد من الفقهاء أو من علماء الكلام شأوه فيه، لأنه نقد مذهبي قصد به صاحبه على حماية أساليب التفكير الإسلامية و بيان أهميتها و مكانتها بين أساليب التفكير الأخرى فيكون بذلك قد دافع عن الفطرة بمنطق الفطرة".

هذه كانت شهادة اليعقوبي وهو أستاذ في الفلسفة، وهناك شهادة علي سامي النشار، وغيرهما.

و المقصود من هذا أن مناهج الجامعات الإسلامية فيما يخص المنطق الصوري متخلفة كثيرا عن مناهج جامعات العلوم الإنسانية، و لذلك نرى مثل هذه البحوث من أساتذتها، بينما لم نر من علماء الشريعة فيما يخص المنطق إلا جمودا على منطق تخلصت منه البشرية، وصار عندها نوعا من الفكر البدائي، لولا تحررها منه لبقيت متخلفة في مجال العلوم التقنية وغيرها.

نعم لا تزال هناك قلاع للمنطق الصوري في العالم الإسلامي، لكن عند من؟ عند الرافضة،لأن منهجهم العقلي العقائدي بعد صدر المتألهين الشيرازي، ومنذ فترة نصير الدين الطوسي يعتمد كلية على ابن سينا، فهم بحاجة إلى استدامة المنطق المشائي الذي يتماشى مع عقيدتهم و باطنيتهم.

كما لا يزال المنطق الصوري عند بعض الأشاعرة لنفس العلة و السبب.

أمثلة على فساد مواد المنطق:

قال الشنقيطي: ((وجئنا بتلك الأصول المنطقية خالصة من شوائب الشبه الفلسفية فيها النفع الذي لا يخالطه ضرر البتة لأنها من الذي خلصه علماء الإِسلام من شوائب الفلسفة ......

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير