أما الروافض: فإنهم يلقون الشبهات و الشكوك في فضائل أبي بكر و ذلك يوجب وهنها و ضعفها و لما بقيت مع هذا المانع القوي، علمنا: أنها في غاية الصحة.
قوله: «لو صح هذا الخبر، لكان نصا في إمامته».
قلنا: لا نسلم لاحتمال أن يكون هذا دليلا على وجوب الاقتداء بهما في الفتوى، أو في الرأي و المشورة. و إذا كان هذا محتملا، لم يكن ذلك نصا في ثبوت الإمامة. بلى. إنه يدل على أن إمامته الحاصلة بالبيعة حقه لأنها لو كانت باطلة، لما أمرنا الرسول عليه السلام بإتباع المبطل.
قوله: لعل الرواية «اقتدوا باللذين من بعدي أبا بكر و عمر»
قلنا: فتح الباب في أمثال هذه التجاوزات و التحريفات، يفضي إلى سقوط الوثوق بالقرآن، و بجميع الأخبار. فإن الاستدلال بالدلائل اللفظية، لا يتم إلاّ مع الإعراب. فإذا وجهنا الطعن إلى الإعرابات، سقط التمسك بالكل.
الحجة السابعة: روي أنه عليه السلام قال: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تصير ملكا عضوضا» وصف القائمين بهذا الأمر في مدة ثلاثين سنة بعده، بالوصف الدال على التعظيم و المدح. ووصف من جاء بعد ذلك بالوصف الدال على أنهم أرباب الدنيا، لا أرباب الدين. و ذلك نص على صحة خلافة الخلفاء الأربعة.
لا يقال: هذا الخبر واحد- لأنا نقول: عندنا الإمامة من فروع الدين فلا يمتنع إثباتها بخبر واحد. ثم إذا أنصفنا لم نجد هذا الخبر أقل مرتبة من خبر المولى و خبر المنزلة.
الحجة الثامنة: إن أبا بكر أفضل الخلق. و الأفضل هو الإمام. إنما قلنا: إنه هو الأفضل لوجوه:
أحدها: التمسك بقوله تعالى: ? و سيجنّبها الأتقى? (الليل: الآية 17? و قد مر تقريره.
و ثانيها: الخبر المشهور. و هو قوله عليه السلام: «و الله ما طلعت الشمس، و لا غربت على أحد بعد النبيين أفضل من أبي بكر».
و ثالثها: قوله عليه السلام لأبي بكر و عمر: «هذان سيدا كهول الجنة، ما خلا النبيين و المرسلين» و إذا ثبت أنه أفضل، وجب أن يكون هو الإمام، للوجه الذي تمسك به الخصم. و أيضا فالخصم موافق في هذه المقدمة.
الحجة التاسعة: إنه عليه السلام استخلفه على الصلاة أيام مرض موته، و ما عزله عن ذلك. فوجب أن يبقى بعد موته خليفة له في الصلاة. و إذا ثبتت خلافته في الصلاة، ثبتت خلافته في سائر الأمور ضرورة أنه لا قائل بالفرق. و هذا الوجه الذي تمسك به أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في إثبات إمامة الصديق. حيث قال: «لا نقيلك و لا نستقيلك. قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا. أفلا نقدمك في أمور دنيانا».
فإن قالوا: لم يثبت أنه عليه السلام استخلفه في أمر الصلاة مدة مرضه. قلنا: هذه القضية لا يمكن التوصل إليها إلاّ بالروايات و الكتب الصحيحة. و الأخبار ناطقة بذلك. مثل صحيح البخاري وغيره. فكيف يمكن مدافعته بمجرد التشهي.
الحجة العاشرة: إن طريق حصول الإمامة إمّا النص أو الاختيار. و بطل القول بالنص –على ما ستأتي دلائله- فبقي القول بالاختيار. و كل من قال: طريق الإمامة هو الاختيار، قال: الإمام هو أبو بكر، فوجب القطع بصحة إمامته. ضرورة أنه لا قائل بالفرق.
و إذا عرفت هذه الحجج، فلنرجع إلى الجواب عن الشبهات:
أما الشبهة الأولى و هي قولهم: أجمعت الأمة على أن الإمام. إما «علي» أو أبو بكر أو العباس. وأبو بكر و العباس لا يصلحان للإمامة لأن الإمام يجب أن يكون واجب العصمة. و هما ما كانا واجبي العصمة فلم يصلحا للإمامة فتعين علي رضي الله عنه للإمامة.
فالجواب: هب أن الأمة أجمعت على أن الإمام أحد هؤلاء الثلاثة. فلم قلتم: إن الإجماع حجة.
قالوا: لأنا دللنا على أن الزمان لا يخلو عن وجود المعصوم، و إذا أجمعت الأمة اشتمل إجماعهم على قوله، و قوله حق. و المشتمل على الحق حق، فكان إجماع الأمة حقا من هذا الوجه.
قلنا: لا نسلم أن الزمان لا يخلو عن وجود معصوم. و قد بينا ضعف دليلكم فيه.
سلمنا ذلك، لكن لا يلزم من هذا أن الإجماع حجة، لاحتمال أن الإمام خاف القوم فوافقهم على باطلهم على سبيل التقية و الخوف. و إذا كان الأمر كذلك، لم يلزم من هذا القدر أن الإجماع حجة.
و أما الشبهة الثانية: و هي قولهم: لو كان أبو بكر إماما، لكانت إمامته إمّا أن تثبت بالنص أو بالبيعة.
قلنا: حصلت إمامته بالبيعة. و الشبهات التي ذكرتموها في إبطال البيعة، قد سبق الجواب عنها.
¥