تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و أما الشبهة الثالثة: و هي ادعاء النص الجلي-

فجوابها: إنا لا نسلم أن الرواة كانوا في جميع الأعصار بالغين إلى حد الكثرة المعتبرة في التواتر.

قوله: «و لو كانوا في حد الآحاد في بعض الأعصار، لاشتهر الآن. و ليس الأمر كذلك»

قلنا: الجواب عنه من وجهين:

الأول: لا نسلم أنه يجب أن يشتهر ذلك.

و الدليل عليه: أن كثيرا من الأراجيف الكاذبة قد اشتهرت الآن في الشرق و الغرب، و لا نعلم أن زمان ذلك الوضع، أي زمان كان؟ و لا أن ذلك الواضع، من كان؟

و أيضا: فإن هذا النص الجلي لم يصل إلى المخالفين خبره، حتى أنا نحلف بالله و بالأيمان إلى لا مخارج عنها: أن خبر هذا النص، لم يؤثر في قلوبنا، و لم يفد ظن الصحة، فضلا عن القطع. فإذا جاز وقوع هذا النص مع عظم مرتبته، و لم يصل خبره إلينا، فلما لا يجوز أن يقال: إن رواة هذا الخبر كانوا في حد الآحاد، إلاّ أن هذا الخبر لم يصل إليكم؟

الثاني: هب أنه يجب أن يشتهر. لكنه مشهور عند أهل العلم أن واضع هذا المذهب – أعني ادعاء النص الجلي- هو " ابن الراوندي" و " أبو عيسى الوراق" و أمثالهما. من المشهورين بالكذب. ثم إن هؤلاء الروافض لشدة شغفهم بتقرير مذهبهم، قبلوا تلك الأحاديث رواها الأسلاف للأخلاف.

ثم الذي يدل على أنه كذب محض وجوه:

الأول: إن هذا النص الجلي الذي لا يحتمل التأويل، لو حصل. لكان إمّا أن يقال: إنه عليه السلام أوصله إلى أهل التواتر، أو ما أوصله إليهم. فإن كان قد أوصله إليهم لكان قد شاع و استفاض و وصل إلى جمهور الأمة، و لو كان كذلك لامتنع على الأعداء إخفاء مثل هذا النص. و لو كان كذلك لامتنع إطباق الخلق مع شدة محبتهم للرسول عليه السلام و مبالغتهم في تعظيم أوامره و نواهيه، على ظلم علي بن أبي طالب، و منعه من حقه. فإن طالب الإمامة هب أنه ينكر هذا النص إلاّ أن من لم يكن طالبا للإمامة لا ينكره، فما الذي يحمله على إنكار هذا النص الجلي، و على إلقاء النفس في العذاب الأليم من غير غرض، يرجع إليه في الدنيا و الآخرة؟

و أما إن قلنا: إنه عليه السلام ما أوصل هذا النص الجلي إلى أهل التواتر، فحينئذ لا يكون مثل هذا الخبر حجة قاطعة. و يسقط هذا الكلام بالكلية.

الثاني: إنه لم ينقل عن علي رضي الله عنه أنه ذكر هذا النص الجلي في شيء من خطبه ومناشداته، مع أنه ذكر خبر المولى و خبر المنزلة، و تمسك بجميع الوجوه. فلو كان هذا النص الجلي موجودا لكان أعظم من سائر الوجوه. و كيف يليق بالعاقل أن يترك التمسك بالحجة القاطعة، ويعول على الوجوه الخفية المحتملة؟

الثالث: إنه لو كان هذا النص الجلي موجودا، لعرفناه. ونحن لا نعرفه، فهو غير موجود.

بيان الملازمة: إنه لو جاز وجوده مع أنه لم يصل خبره إلينا، لجاز أن يقال: القرآن قد عورض و لم يصل خبره إلينا، و أنه عليه السلام نسخ صوم رمضان و التوجه إلى الكعبة، ولم يصل خبره إلينا. و هذا يفضي إلى تشويش الشريعة بالكلية. و لا شك في بطلانه.

لا يقال: الفرق بين الصورتين: أنه كان للقوم في إخفاء هذا النص غرض. و هو أن يكونوا هم الملوك و الأمراء، و ليس لهم في إخفاء ما ذكرتموه غرض.

لأنا نقول: إنه لا يلزم من عدم غرض معين، عدم سائر الأغراض. فعليكم أن تبنوا أنه لم يوجد في هذه الصورة شيء من الأغراض الأخر.

و أما الشبهة الرابعة: و هي قولهم: إنه وجد النص على إمامة شخص معين، و متى كان كذلك كان هذا الشخص هو "علي".

(فجوابه) فنقول: لا نسلم أنه وجد النص على إمامة شخص بعينه. و الوجوه التي ذكرتموها معارضة بوجه واحد. و هو أنه يحتمل أن يقال: إن الله تعالى علم أنه لو نص على شخص معين، لاستنكفوا عن طاعته، و لتمردوا. و كيف يبعد ذلك و الروافض يقولون: إنه تعالى لما نص على إمامة "علي" تمرد القوم و أبوا إطاعته و أظهروا منازعته ومخالفته؟

و إذا ثبت هذا فنقول: المقصود من نصب الإمام رعاية مصلحة الخلق. و لما علم الله تعالى أن التنصيص يفضي إلى الفتنة و إثارة المفسدة، كان الأصلح ترك التنصيص و تفويض الأمر إلى اختيارهم. و بهذا التقرير يسقط كل ما ذكرتموه.

و أما الشبهة الخامسة: و هي أن عليا رضي الله عنه أفضل. و الأفضل هو الإمام. (فجوابه) فنقول: إن أصحابنا عارضوا هذا بأن أبا بكر أفضل. و الأفضل هو الإمام. و بالجملة فستجيء مسألة التفضيل إن شاء الله تعالى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير