سلمنا: أن عليا كان أفضل. فلم قلتم: إن الأفضل هو الإمام؟ و لم لا يجوز إمامة المفضول مع وجود الفاصل؟
بيانه: أن المفضول إذا كان موصوفا بالصفات المعتبرة في الإمامة، لكنه كان أقل درجة في تلك الفضائل من غيره. و نعلم أن الإمامة لو فوضت إلى ذلك الأفضل لحصل التشويش و الاضطراب، و لو فوضت إلى هذا المفضول، لاستقامت الأمور و انتظمت المصالح، فالعقل يقتضي تفويض الإمامة إلى ذلك المفضول. لأن المقصود من نصب الإمام رعاية المصالح. و إذا كانت رعاية المصالح لا تحصل إلاّ بتفويض الإمامة إلى هذا المفضول، لكان ذلك واجبا. و كيف لا نقول ذلك، و الروافض يقولون: إن أكثر الناس كانوا يبغضون عليا، لأنه قتل أقاربهم. و لهذا السبب أنكروا النص عليه. و منعوه عن حقه. و إذا كان كذلك، فهم قد اعترفوا بأن تفويض الإمامة إليه، منشأ الفتن. و حينئذ يظهر ما ذكرناه- و هذا هو الجواب بعينه عن الشبهة السادسة-.
و أما الشبهة السابعة: و هي التمسك بقوله تعالى: ? أطيعوا الله وأطيعوا الرسول و أولى الأمر منكم? (النساء: الآية 59?.
(فجوابه) فنقول: لو كان المراد من أولي الأمر هو المعصوم، لكان ظاهرا، لأن الأمر بطاعته مشروط بالقدرة على الوصول إليه، لكنه غير ظاهر، فعلمنا أن قوله: ? أطيعوا الله وأطيعوا الرسول و أولى الأمر منكم? (النساء: الآية 59?. ليس أمرا بطاعة المعصوم.
لا يقال: نضمر في الآية شيئا. و التقدير: أطيعوا إذا ظهر.
لأنا نقول: إذا فتحتم باب الإضمار، فليس إضماركم أول من أضرمنا. فإنا نقول: التقدير أطيعوه إذا أمركم بالطاعة.
و أما الشبهة الثامنة: و هي التمسك بقوله تعالى: ? و لا ينال عهدي الظّالمين? (البقرة: الآية 124?.
فجوابه لم لا يجوز أن يكون ذلك مقصورا على زمان حصول صفة الظلم؟ و الاعتماد في العموم على دليل الاستثناء، معارض بما أن هذا المفهوم يحتمل التقسيم. فيقال: الظالم لا ينال عهد الإمامة في حال كونه ظالما، أو في جميع الأحوال؟ و لولا أن ذلك المفهوم مشترك بين هذين القسمين، و إلاّ لم يصح تقسيمه إليهما.
و أما الشبهة التاسعة: و هي التمسك بقوله تعالى: ? و كونوا مع الصّادقين? (التوبة: الآية 119?.
(فجوابه) لا يمكن حمله على المعصومين، لأنهم ليسوا ظاهرين، فوجب حمله على مجموع الأمة، صونا للفظ عن التعطيل. فتصير هذه الآية دليلا على أن الإجماع حجة.
و أما الشبهة العاشرة: و هي التمسك بقوله تعالى: ? و أولا الأرحام بعضهم أولى ببعض? (الأنفال: الآية 75)
فجوابه: إن قوله ? بعضهم أولى ببعض? (الأنفال: الآية 75) لا يفيد العموم. و الاعتماد على دليل الاستثناء، معارض بما ذكرناه في صحة التقسيم.
و أما الشبهة الحادية عشرة: و هي التمسك بقوله تعالى: ? إنّما وليّكم الله و رسوله? (المائدة: الآية 55) فجوابه: "الولاية المذكورة في هذه الآية الخاصة، و الولاية بمعنى النصرة عامة".
قلنا: الولاية بمعنى النصرة إذا أضيفت إلى من سوى علي رضي الله عنه من الأمة، كانت مخصوصة لا محالة بعلي. لأن الإنسان يستحيل أن يكون ناصرا لنفسه. و أما إذا لم تكن مضافة إلى أقوام معينين، كانت عامة. فقوله: ? إنّما وليّكم الله و رسوله? (المائدة: الآية 55) و المؤمنون الموصوفون بالصفة المذكورة. و هذا خطاب مع كل الأمة، سوى المؤمنين الموصوفين بالصفة المذكورة، فلا جرم كانت الولاية بمعنى النصرة هذه، خاصة بالمؤمنين الموصوفين بالصفة المذكورة.
و أما قوله: ? و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض? (التوبة: الآية 71) فنقول: ليست الولاية المذكورة فيه مضافة إلى أقوام معنيين، فلا جرم ما كانت خاصة بقوم معينين. فثبت بما ذكرنا أنه لا يمتنع أن تكون الولاية المذكورة في قوله: ? إنّما وليّكم الله ? (المائدة: الآية 55) هي المفسرة بمعنى المحبة و النصرة. و إذا بطلت هذه المقدمة، سقطت هذه الشبهة. ثم نقول: إن دل ما ذكرتكم على أن الولاية المذكورة في الآية، بمعنى التصرف. فمعنا ما يبطل ذلك. و هو من وجهين:
الأول: إنه يقتضي حصول الإمامة لعلي في زمان حياة محمد عليه السلام و إنه باطل.
و الثاني: إن قوله تعالى: ? و الّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة و يؤتون الزّكاة وهم راكعون? (المائدة: الآية 55) مشتمل على سبعة ألفاظ من صيغ الجموع: فحملها على الشخص الواحد خلاف الأصل.
¥