تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والحق أن محمود مكي صارحه برأيه السلبي في تقريرهالذي انتهى إلى رفض ترقية نصر، وأبلغه أن عوني عبدالرؤوف وهو، مد الله في عمريهما، انتهيا إلى الترقية في تقريرهما. وشعر المرحوم شوقي ضيف أنه سيكون في وضع محرج، فطلب من محمود مكي أن يناقش تقريره معي سرا بصفتي رئيسا للقسم الذي هو حريص علىصورته فيه، ولا تزال هذه الصورة قائمة يجللها الاحترام، مهما كان الاختلاف الفكري. وجاءني محمود مكي بالتقرير في بيتي جوار بيت شوقي ضيف، وقرأت التقرير، وانتهيت إلى أن الرفض قائم على أساس اختلاف المنهج والفكر. وبعد أن انتهيت من القراءة والتفكير، وانتهى مكي من سؤال سهير ابنتي، رحمها الله، عن أحوالها في الدراساتالإسبانية، التي أسهم في إغرائها بها، سألت محمود مكي عن تقريره، فقال إنه يرى ترقيةنصر لأن إنتاجه يستحق،. وإذا كانت هناك هفوة هنا أو هفوة هناك، فهي لا تقلل من قيمةالإنتاج العلمي على الإطلاق، فما أكثر الذين تولت اللجنة ترقيتهم، وهم أقل شأنا وقيمة. وحاولت أن أوضح للعزيز محمود مكي أن الترقية العلمية تتم على أساس من قيمةالجهد والاجتهاد في المجال المنهجي، وأن الإنتاجالعلمي يرقى لا إلى اتفاقه مع آراء لجنة التحكيم أو منهجهم، فالأصح أن يرقى بسبب اجتهاده ومغايرة منهجه، وإلا ما تقدمالبحث العلمي. وأخبرني مكي أنه مقتنع بذلك، وأنه حاول إقناع شوقي ضيف، ولكنه لم يفلح بسبب رفضه الجذري لمناهجنا الجديدة التي تستعين بالهرمنيوطيقا والسيميوطيقا والبنيوية والتفكيكية. فقلت: إذًا هو الخلاف الحتمي، وسأرفض تقريره في مجلس القسم، واثقا بأن هناك من سيقف معي، فنحن ورثنا احترام تقاليد الاختلاف منكم، ولن نقبل أنتصرفونا أو نصرفكم عنها.

وهنا قال محمود مكي: لا داعي لذلك كله، فلولا حرصشوقي ضيف على معرفة رأيك ما أرسلني إليك. وأنا سأجد حلا معه أو أقنعه بتغييرالتقرير. وبعد أيام قابلت محمود مكي، فقال لي إن شوقي ضيف سينسحب من اللجنةالثلاثية، وأنه سيترك مكانه لعبدالصبور شاهين. وانتابني الوجوم، فأنا أعرف فكر عبدالصبور شاهين ومواقفه المعلنة، وانحيازه إلى جماعات الإسلام السياسي والتيارات السلفية. ولكنني قلت لنفسي: لا تتعجل الحكم، ودع الأمور تجري في أعنتها، وليرعَالله إنتاج نصر في مواجهة أنياب الفكر السلفيالمتزمت.

اجتمعت لجنة ترقية نصر أبو زيد بتشكيلها الجديد لقراءة التقارير الثلاثة، واختيار التقرير الذي يعبر عن رأي اللجنة النهائي، وكنت أعرف أن تقرير محمود مكي إيجابي، وكذا تقرير عوني عبدالرؤوف، ولم أكن أثق بعبدالصبور شاهين ولا حياد موقفه. فقد سبق له مهاجمةنصر علانية، وظل غاضبا لما أخذه عليه من علاقته بشركات توظيف الأموال ومهادنته الدولة وجماعات إرهاب التأسلم السياسي على السواء. ولكني كنت أمنّي النفس بانتصار العقل والتقاليد الجامعية الأصيلة. وظللت صامتا الى أن أخذت اللجنة قرارها الفاجع، حيث انحاز أحمد هيكل لزميله عبدالصبور شاهين بحكم عصبية الانتماء إلى دار العلوم، وخوفا من لغة التكفير التي استخدمها زميله والتي لا تليق بتقرير علمي، ولكنها تبعث الخوف في النفوس الضعيفة. واعترض سيد النساج بشدة على رفض تقريرين لعالمين جليلين بالترقية، هما محمود مكي وعوني عبدالرؤوف، وانقسمت اللجنة على نفسها بعد انسحاب سيد النساج احتجاجا، وقبلت تقرير عبد الصبور بفارق صوت واحد، هو صوت شوقي ضيف فيماأظن، وبعض الظن إثم في كل الأحوال. لكن المهم هو الدلالة العامة التي ظلت قائمة، وهي أن اللجنة التي رأسها شوقي ضيف، تلميذ طه حسين، الذي أشرف عليه في أطروحاتهالجامعية، خانت منهج طه حسين في التوجه العقلي، وبدل أن تواصل طريق المحدثين الذيانطلق منه عميد الأدب العربي انقلبت على هذا المنهج واختارت طريق القدماء الذين يرفضون إعمال العقل، ويغلقون أبواب التجديد. والمؤسف أن شوقي ضيف، الذي صاغ تاريخالشعر العربي فنيا في التحول ما بين أربع صيغ هي الطبع والصنعة ثم التصنيعوالتصنع، وقد كان ذلك تصنيفا جديدا في زمنه، أخذ موقفا سلبيا من مصطلحات العصر، ورفض أن يكون موقف الإمام الشافعي الفقهي تعبيرا، في التحليل الأخير، عن الأيديولوجيا الوسطية، فضلا عن المصطلحات الجديدة التي استخدمها نصر، مثل الهرمنيوطيقا والسيميوطيقا والخطاب وغيرها من بدع الدراسات الإنسانية الحديثة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير