تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

التي لا ينبغي استخدامها في مجال قديم لا سبيل الى مثل هذا التجديد فيه. وكانت اللجنة بهذا القرار تنحاز الى أهل النقل لا العقل، وإلى المعادين للاجتهاد من أهل التقليد الذين ناصبوا طه حسين العداء الذي نسيه تلميذ طه حسين رئيس اللجنة.

وكانت ملاحظتي الثانية على تقرير عبدالصبور شاهين الذي تبنته اللجنة للأسف أنهتقرير لا علاقة له بالعلم الرصين، وإنما هو تقرير انفعالي خطابي تكفيري يستخدم عبارات لا يليق استخدامها في مجال العلم والخطاب الجامعي بوجه عام. ومن ذلك إشارةالتقرير الى أن نصر وضع نفسه مرصادا لكلمقولات الخطاب الديني حتى لو كلفه ذلكإنكار البديهيات، أو إنكار ما علم من الدين بالضرورة. وأضيف الى ذلك صفات مثل كلامأشبه بالإلحاد. وقسْ على ذلك من الكلام الذي يعف قلمي عن ذكره. فالأهم هو أن لغةالتكفير المستخدمة في هذا التقرير سرعان ما شاعت على الألسنة المعادية للدولةالمدنية، وظلت ملازمة لخطاب التكفير الذي كان يرتفع صوته في موازاة ارتفاع حدةخطاب التأسلم السياسي الذي كان يشيع خارج الجامعة. وكان معنى ذلك أن رئيس لجنةالترقية، تلميذ طه حسين، سمح لخطاب التكفير الذي كان لا يزال خارج الجامعة أن يدخلها ولا يفارقها الى اليوم للأسف. فما أكثر ما حدث بعد ذلك من اتهامات اعتقاديةدينية لباحثين اجترأوا على الاجتهاد في مجالات العلوم الإنسانية، خصوصا في مجال نقد الخطابات الاجتماعية السائدة، ومنها خطاب تحرير المرأة، ومواجهة النظرة الدونيةإليها. والخطورة أن شيوع هذا الخطاب التكفيري وانتقاله من خارج أسوار الجامعة الى داخلها أحدثا كارثة كبرى في الفكر الجامعي. فقد سجن هذا الفكر في مدار مغلق، وجعلالأساتذة يؤثرون السلامة، ويخافون الاجتهاد، ويصنعون لأنفسهم من أنفسهم رقباء على ما يفكرون فيه أو يكتبون عنه. وكانت النتيجة الكارثة أن ذبلت روح الاجتهاد في الجامعة، ولم تخرج الجامعة المصرية وحدها من دائرة الجامعات ذات القيمة، بل خرجت كلالجامعات العربية تماما من مقياس أفضل خمسمائة جامعة في العالم.

وهناك ملاحظة أخرى على تقرير عبدالصبور شاهين الذي قبلته لجنة برئاسة تلميذ طه حسين، وهي ملاحظة تسجل انحراف اللجان العلمية، وانحراف التقييم الجامعي بوجهعام. فالأصل في التقييم الجامعي السليم هو الاجتهاد، والجدة، والاختلاف المقترنبأصالة المنهج بعيدا عن الموافقة على النتائج أو الاختلاف معها. فلا اجتهاد من دوناختلاف، وإلا فقد الاجتهاد معناه، ولا جدة إلا بالخروج على السائد، وإلا ما كانت جدة ولا اختلاف. ومن ثم لا اجتهاد إلا مع إقرار مبدأ حق الخطأ. فالمعرفة الإنسانية لا تتقدم بالإصابة في الاجتهادات وحدها، وإنما تتقدم بالقدر نفسه بالأخطاء. ولذلك حرصت الحضارة الإسلامية في عصور ازدهارها على ما أطلق عليه طه حسين، في مقال شهيرنشره عام 1955، حق الخطأ الذي يعني إصابة المجتهد في كل الأحوال، حتى في الخطأ الذي يستحق عليه أجرا يضاعف في حالة الإصابة. وأصل الإثابة ومبررها تشجيع إعمال العقل، والمخالفة في الاجتهاد، وإلا ما تراكم العلم ولا تقدّمت المعرفة العلمية. ويترتب على ذلك أن التقييم العلمي الصحيح ليس الأصل فيه هو الاتفاق بين من يقوم بالتحكيم ومن يتم تحكيم إنتاجه، وإنما مراعاة قيم المنهجية والاجتهاد والإضافة بعيدا عن الاتفاق أو الاختلاف. وقد ترتب على قبول تقرير عبدالصبور شاهين، الذي لاأزال أراه وصمة عار في تاريخ الجامعة، وهو منشور مع تقرير قسم اللغة العربية في تفنيده علميا في كتاب نصر: "التفكير في زمن التكفير"، الذي طبع أكثر من مرة. وأضيف إلى ذلك ما هو متضمن في السياق من جانب ثأر شخصي ينطوي عليه التقرير الذي استغله كاتبه للثأر من نصر، الذي أشار إليه في أحد الكتب بوصفه مستشارا لإحدى شركات توظيف الأموال التي نهبت ثروات المسلمين المخدوعين فيها".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير