تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا بأس أن أقتطف بضع فقرات من مقال كتبه وائل عزيز فى مدونته عن ذات القضية بعنوان "حكايةنصرحامدأبو زيد" أشار فيه إلى التقرير الذى كتبه الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين عن أعمال د. نصر. وهذا نص الفقرات المذكورة: "نشر الدكتور أبو زيد نص التقرير كاملا في كتابه: "التفكير في زمن التكفير"، كما نشره في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه "نقد الخطاب الديني". ولم يكن في التقرير كلمة واحدة تشير إلى كفر أو تكفير أبو زيد كما شاع بعد ذلك وكرره نصر حامد نفسه. وإنما خلاصة ما جاء به أن أبحاثه بها "الكثير من الأخطاء التاريخية والعلمية، وأنه يجعل العقل الغيبي غارقا في الخرافة والأسطورة مع أن الغيب أساس الإيمان، وأنه ينعي على الخطاب الديني أن يرد كل شيء في العالم إلى علة أولى هي "الله"، ويرى أن ذلك إحلال لـ"الله" في الواقع ونفي لـ"الإنسان". كما أنه إلغاء للقوانين الطبيعية والاجتماعية. وهو يدافع بحرارة عن الماركسية الفكر الغارب ويبرئها من تهمة الإلحاد، بل ويقول بخطأ تأويل الماركسية بالإلحاد والمادية. ولعله يتصور أن ماركس كان مؤمنا روحاني النزعة". وختم الدكتور شاهين تقريره بقوله: "إن أبحاثه جدلية تضرب في جدلية لتخرج بجدلية تلد جدلية تحمل في أحشائها جنينا جدليا متجادلا بذاته مع ذاته، إن صح التصور أو التعبير. وليست هذه سخرية، ولكنها كانت النتيجة التي يخرج بها قارئ الكتاب غير المنشور حتى الآن".

وقد كان الرجل محقا في هذا الوصف، فالدكتور أبو زيد كمفكر مجتهد يفكر أسرع مما يكتب، ولا يستقر به الحال عند فكرة إلا لحقها بما يناقضها. وما أودعه في كتابه: "مفهوم النص" كان يحتاج منه إلى كثير من المراجعة قبل أن يخرج بالصورة التي خرج عليها، والتي أمكن بسهولة للمتربصين به (أو "الباحثين عن العفريت" بتعبيره) أن يقتطعوا منها العديد من الفقرات ليحاكموه بشأنها، فقد بحثوا عن العفريت (التجاوزات) فطلع لهم، فأخذوها إلى المحكمة، فحكمت لصالحهم في الاستئناف والنقض. ورغم أنه حاول الدفاع بعد ذلك عن آرائه وتوضيح ما قصده بكتابته عبر الندوات الخاصة واللقاءات التليفزيونية، ولكن ذلك كان بعد فوات الأوان.

لا يفوتني هنا أن أشير إلى الصراع المستمر وغير المعلن بين كلية دار العلوم وكلية الآداب، وهو صراع يعود إلى أيام طه حسين. أو قل: هو صراع بين ممثلي الفكر الإسلامي والعلمانيين في الجامعات المصرية خاصة في أقسام الفلسفة واللغة العربية والتاريخ. وقوانين الترقية لدرجة أستاذ تستلزم أن يكون هناك مقيّم خارجي، أي من خارج الكلية التي تقدم منها المرشح بأبحاثه. ومثل هذا القانون كان يستهدف الموضوعية في التقييم والبعد عن المجاملة، لكنه انتهى إلى سيف مسلط في أيدي الأساتذة الكبار من الفريقين يستخدمونه في تصفية الحسابات والمقايضة وتحقيق الانتصارات. وأعرف عددا من الأساتذة من المحسوبين على التيار الإسلامي الذين دفعوا ثمن هذا الصراع عبر تعنت أسماء مثل جابر عصفور وعاطف العراقي ومراد وهبة وحسن حنفي وغيرهم من الكبار، فتأخرت ترقياتهم شهورا وسنوات، ولم تُجْدِ معهم الشكاوى ولا الاعتراضات. ولا زال الصراع مستمرا، ولم يستطع حله وزراء التعليم العالي المتعاقبون ولا المجلس الأعلى للجامعات، وظل أحد الأدوات التي تستخدمها السلطة من أجل إبقاء التوتر قائما، وهو ما يحتفظ لها بدور الحكم دائما والحكيم أحيانا.

كان من الممكن رأب الصدع بسهولة، وتكرر هذا في عشرات الحالات السابقة. ولم يكن للدكتور عبد الصبور شاهين أن يقبل أن يضع اسمه على تقرير يجيز ترقية أستاذ يختلف معه فكريا إلى حد النقيض، خاصة مع ما ترشح من اتهامات من أبو زيد لشاهين في مسألة توظيف الأموال وعلاقته بالريان. واقترح الدكتور مأمون سلامة رئيس جامعة القاهرة حينذاك، وهو رجل منصف وحكيم، أن يتم اختيار مقيّم آخر غير الدكتور شاهين والقبول بتقريره، وهو ما يعني عمليا اختيار مقيّم من الجناح الآخر من الأساتذة الذي سينتهي بتقرير إيجابي وتحل المشكلة. وكاد الدكتور أبو زيد يقبل، غير أن أصدقاءه نصحوه بالرفض والتصعيد، وأوهموه أن الحق معه. ولعلهم أرادوا بهذا التصعيد أن يبعدوا الدكتور شاهين من الجامعة، فانقلب السحر على الساحر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير