تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الذين آمنوا بالقول الثابت"، "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق. فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله"، "من ترك الجمعة ثلاثا من غير ضرورةٍ طُبِع على قلبه: منافق"، "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خَلَّةٌ منهن كانت فيه خَلّةٌ من نفاق حتى يَدَعها: إذا حدَّث كذَب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فَجَر"، اللهم إلا إذا قيل بإلغاء هذا من القرآن والسنة كما ينادى المهاويس المهلوسون هذه الأيام بكل وقاحة، فى الوقت الذى لا يجرؤون أن يفكروا مجرد تفكير فيما عند غير المسلمين، إذ هم يعرفون أن ألسنتهم تُقْطَع فى الحال ويُنَكَّل بهم أيما نَكَال.

ذلك أن مثل هذه النصوص شىء لا ينفرد به الإسلام، بل يوجد فى كل دين ومذهب وعقيدة نصوص ترسم الحدود وتَسِم كل من يتمرد عليها بأنه لا يؤمن بها وتخطّئه وتخرجه عن العقيدة، سياسية كانت تلك العقيدة أو دينية أو فلسفية. ولقد تعدت الأمور أحيانا فى أوربا فى العصر الحديث حدود الخلاف الفكرى ووصلت عند الشيوعيين وغير الشيوعيين إلى "التصفية الجسدية". وهذا مصطلح أوربى لم يسمع به المسلمون إلا فى هذا العصر. فنرجو من المتحذلقين البكاشين أن ينقّطونا بسُكاتهم ويكفأوا على الخبر ماجورا ولا يقيموا من أنفسهم معلمين لنا، فى الوقت الذى يجب عليهم فيه أن يتبوأوا مجلس المتعلمين لا مقام العالمين. إن الحياة قائمة على التصنيفات والتقسيمات، وهذه النصنيفات والتقسيمات تستلزم مصلطحات معينة لا بد من استخدامها، وإلا فماذا نسمى من يقول إن محمدا هو مؤلف القرآن، أو إنه لا يوجد إله أصلا، أو إن الجنة والنار والثواب والعقاب هى أساطير ليس لها أية حقيقة فى خارج أذهان من يعتقدون بها؟ ببساطة: من يقول بهذا فهو كافر. إلا أن الأمر ليس بهذا التحديد الصارم دائما، إذ هناك مسائل حدودية يمكن أن يكون فيها أكثر من رأى، وتقبل أكثر من تفسير. وهذه المسائل الحدودية يصعب إصدار حكم بشأنها، وبخاصة إذا ما استعمل المتكلم أوالكاتب أسلوبا مراوغا فى التعبير عما فى نفسه، فتراه لا يحسم الكلام بل يصوغه صياغة لفافة دوارة حتى إذا ما آخذتَه على هذه النقطة أو تلك انبرى لك مؤكدا أنه لا يقصد ما فهمتَه. ولكن الصبر على التحليل والتفكيك والتركيب وما إلى ذلك من أدوات البحث ومناهجه يمكن أن تفيد فى الخروج من متاهة المراوغة التى يصطنعها بعض الكتاب، وإن ظل الأمر دائما غير حاسم تمام الحسم. وفى هذا السياق نذكّر بما قاله بعض علماء السلف من أننا إذا قرأنا أو سمعنا مقالة تحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجها، والإيمان من وجه واحد فينبغى حملها على محمل الإيمان. وهو ما يجب أن يأخذ به المسلمون، أو على الأقل: يجب أن يكونوا على ذكر منه فلا يندفعوا مع التكفير، وبالذات إذا أكد الشخص المعنىّ أنه مسلم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله مما يحفظه المراوغون أيضا ويرددونه فى مثل تلك الظروف للخروج من المأزق. ومع هذا نقول كما قال النبى عليه الصلاة والسلام لصحابى اتهم رجلا بعدم الإيمان: هلاّ شققتَ عن قلبه؟ يقصد، صلى الله عليه وسلم، أنه ليس من صلاحيتنا محاولة التدسس إلى أفئدة الآخرين والتلصص على ضمائرهم ما داموا يعلنون الإسلام حتى لو لم يكونوا مسلمين فى أعماق قلوبهم، إذ إن الكشف عما تكنه تلك القلوب ليس من وظيفتنا. لكن هذا يختلف عن تصدينا لأفكار الآخرين وكلامهم المكتوب وتحليلنا له واجتهادنا فى فهمه والحكم عليه دون الحكم على صاحبه ما دام لم يقل شيئا واضحا قاطعا من الكفر. وحتى هنا ليس من صلاحيتنا إكراهه على غير ما يؤمن به. إنما هو فكر إزاء فكر، والسلام.

ننتهى من هذا إلى أن التكفير مفهوم من المفاهيم لا يمكن أن يخلو منه أى دين، إذ معناه أن فلانا أو علانا لا يؤمن بهذا الدين. وهل هناك شك فى أنه ما من دين إلا ويرفضه الملايين بل عشرات الملايين بل مئاتها؟ فكيف نصنف هؤلاء الرافضين؟ إنهم كفرة بهذا الدين، مثلما يقول الماركسيون عن المتدينين: الظلاميون والرجعيون والمتخلفون، ويصفون أنفسهم بالتنويريين والتقدميين، وكما تقول أمريكا والدول الاستعمارية عمن يدافعون عن بلادهم: إرهابيون، وتصف نفسها بقوى التقدم والتحرر ... إلخ. وفى داخل المذهب الشيوعى كانت هناك اتهامات متبادلة بين شيوعيى الصين والاتحاد السوفييتى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير