تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويوغوسلافيا وألبانيا. وهذه الأخيرة لم يكن يعجبها أحد، فكانت ترمى الجميع بالانحراف وترى نفسها الدولة الشيوعية الحقيقية الوحيدة. ومنذ سنوات صدر كتاب فى أمريكا يقول بنهاية التاريخ وأن الحضارة الغربية ستبقى هى الحضارة الصحيحة الوحيدة إلى الأبد.

وهنا نسمع بعض القوم يقولون لمن ينبرى للرد على ما يراه مسيئا للدين أو مخالفا له: وهل خَوَّلك أحد للحديث باسم الله؟ وطبعا لم يخَوِّل أحد أحدا، بل دفعه ضميره واستفزته غيرته على دينه مثلما تستفز الغيرةُ كلَّ مؤمن بعقيدة أو مذهب إلى وقوف هذا الموقف حين يستدعى الأمر ذلك، فلا يجد من يقول له: ومن الذى خَوّلك الحديث باسم الشيوعية أو اللينينية أو التروتسكية أو النازية أو الوجودية أو اللاأدرية أو الوضعية المنطقية أو الرأسمالية أو الليبرالية أو الناصرية أو التكعيبية أو التبقيعية أو البنيوية أو التفكيكية ... إلخ؟ ولا يوجد عاقل يزعم أو يعتقد أنه عند قيامه بالدفاع عن الإسلام إنما يتحدث باسم الله، إذ لا يعدو الأمر أن يكون اجتهادا من المدافع يعبر فيه عن رأيه هو وفكره هو وفهمه هو، ويتحدث فيه عن نفسه هو لا عن الله ولا عن الرسول. وقد يكون اجتهاده مصيبا، وقد يكون مخطئا. ويستطيع الآخرون أن يناقشونا فيما نقول، فنقوم نحن بتوضيح رأينا ونرد عليهم، فيردون هم بدورهم، ونستطيع نحن بدورنا أن نرد على رد الرد ... وهكذا دواليك إلى أن نصل إلى شىء نتفق عليه أو نصل إلى طريق مسدود فيتمترس كل منا وراء فكرته لا يريد عنها حِوَلا، وهذا حقه. ولا أحد منا معصوم، بل كل ما يمكننا قوله هو أننا نبغى إصابة الحقيقة. وقد نكون كذابين فى هذا الادعاء، وقد نكون صادقين. بل نحن لا ندرى ماذا يفعل الله بنا مهما كثرت صلاتنا وصيامنا وزكاتنا وحجنا وحرصنا على التقوى وعمل الصالحات. أما الإجلاب وإحداث الصخب والضجيج بعبارات من مثل: "من خَوّلك التحدث باسم الله؟ " فهو الخبث بعينه، إذ معناه أنك تحرّم على المسلم الدفاع عن دينه أو توضيحه أو مناقشة أحد فيما يقول بشأنه، ومن ثم يترك الساحة لكل من هب ودب ليقولوا ما عندهم من سخف دون تعقيب أو تصويب. وأين العاقل المنصف الذى يقول بهذا؟

وكان د. نصر أيضا يلجأ إلى هذا الأسلوب الترهيبى الذى يراد به إخراس المخالفين وزرع الرعب فى قلوبهم، إذ كان يتهم من ينتقدونه هو وأمثاله بأنهم يتجاوزون صلاحياتهم وحدودهم ويجعلون من أنفسهم ناطقين باسم الله (انطر ص30 مثلا من "مفهوم النص"). ترى هل النصوص القرآنية تنطق بما تريد أن تقول بحيث يمكن أن نترك لها مهمة التعبير عن نفسها ونسكت نحن؟ أم هل لا بد أن يُنْطِقها البشر، أى يَنْطِقوا بما يعتقدون أنها تتضمنه؟ وإذا كان عمر قد قال إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة فإن النصوص هى أيضا لا تنطق من تلقاء نفسها، بل نحن الذين نُنْطِقها. والمهم هو الإخلاص فى هذا الإنطاق، والتدقيق فيه ومراجعته والاستماع إلى ما عند الآخرين واستيعابه وتقليبه على كل الوجوه حتى يصل المُنْطِق إلى ما يطمئن إليه ضميره فى نهاية المطاف. صحيح أن هؤلاء المنطقين للنصوص قد يخطئون كما قلنا، لكننا لو جرينا على المبدإ القائل بأن كل من هو معرَّض للخطإ فعليه أن يسكت، فعندئذ لن يُقْدِم البشر على قول أى شىء أو فعله، إذ الخطأ متربص بهم فى كل خطوة على الطريق لا عند النواصى والمنعطفات فقط. وبالمناسبة فنصر أبو زيد يزعم أنه وأمثاله هم الوحيدون الذين يفهمون الحقيقة الدينية (انظر ص63 من "نقد الخطاب الدينى"). أليس هذا هو بعينه ما يأخذه على خصومه؟ ألا يضع نفسه بهذه الطريقة موضع المتحدث باسم الله؟ من الواضح الذى لا يمكن أن تخطئه العين أنه يحلل لنفسه ما يحرّمه على الآخرين. والسبب مفهوم طبعا، إذ هو لا يريد أن يرد عليه أحد حتى لا ينكشف عواره ويفتضح مستواه فى التفكير والتعبير. وبهذا يتبين لنا أن مزاعمه حول العلمية الصارمة التى ينتهجها، والأسطورية التخريفية التى يرمى بها خصومه، هى كلام فى الهواء لا قيمة له.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير