تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

النصارى واليهود. فأما الصلة الدينية فثابتة وواضحة، فبين القرآن والتوراة والأناجيل اشتراك في الموضوع والصورة والغرض، فكلها ترمي إلي التوحيد، وتعتمد علي أساس واحد هو هذا الذي تشترك فيه الديانات السماوية السامية. ولكن هذه الصلة الدينية معنوية عقلية يحسن أن تؤيدها صلة أخرى مادية ملموسة أو كالملموسة بين العرب وأهل الكتاب. فما الذي يمنع أن تُسْتَغَلّ هذه القصة، قصة القرابة المادية بين العرب العدنانية واليهود؟ وقد كانت قريش مستعدة كل الاستعداد لقبول مثل هذه الأسطورة في القرن السابع للمسيح، فقد كانت في أول هذا القرن قد انتهت إلي حظ من النهضة السياسية والاقتصادية ضَمِنَ لها السيادة في مكة وما حولها وبسط سلطانها المعنوي عليجزء غير قليل من البلاد العربية الوثنية. وكان مصدر هذه النهضة وهذا السلطان أمرين: التجارة من جهة، والدين من جهة أخري. فأما التجارة فنحن نعلم أن قريشاكانت تصطنعها في الشام ومصر وبلاد الفرس واليمن وبلاد الحبشة. وأما الدين فهذه الكعبة التي كانت تجتمع حولها قريش ويحج إليها العرب المشركون في كل عام، والتيأخذت تبسط علي نفوس هؤلاء العرب المشركين نوعا من السلطان قويا، والتي أخذ هؤلاء العرب المشركون يجعلون منها رمزا لدين قوي كأنه كان يريد أن يقف في سبيل انتشار اليهودية من ناحية، والمسيحية من ناحية أخري. فنحن نلمح في الأساطير أن شيئا منالمنافسة الدينية كان قائما بين مكة ونجران. ونحن نلمح في الأساطير أيضاأن هذه المنافسة الدينية بين مكة وبين الكنيسة التي أنشأها الحبشة في صنعاء هي التيدعت إلي حرب الفيل التي ذكرت في القرآن. فقريش إذن كانت في هذا العصر ناهضة نهضة مادية تجارية ونهضة دينية وثنية. وهي بحكم هاتين النهضتين كانت تحاول أنتوجد في البلاد العربية وحدة سياسية وثنية مستقلة تقاوم تدخل الفرس والروم والحبشة وديانتهم في البلاد العربية. وإذا كان هذا حقا، ونحن نعتقد أنه حق، فمنالمعقول جدا أن تبحث هذه المدنية الجديدة لنفسها عن أصل تاريخي قديم يتصل بالأصول التاريخية الماجدة التي تتحدث عنها الأساطير. وإذن فليس ما يمنع قريشا من أنتقبل هذه الأسطورة التي تفيد أن الكعبة من تأسيس إسماعيل وإبراهيم كما قبلت روما قبل ذلك ولأسباب مشابهة أسطورة أخري صنعها لها اليونان تثبت أن روما متصلة بإنياس بن بريام صاحب طروادة. أمر هذه القصة إذن واضح، فهي حديثة العهد ظهرت قبيلالإسلام لسبب ديني، وقبلتها مكة لسبب ديني وسياسي أيضا".

إذن فهذا النص الدينى القرآنى ليست سوى أسطورة وجدها محمد جاهزة فاستغلها. وهذا التصرف من جانبه لا يعنى إلا شيئا من شيئين: أنه كان على علم بأسطوريتها، لكنه قبلها بغرض نفعى لا علاقة له كما نرى بحق أو باطل، فهو إذن رجل براجماتى مكيافيلى، الغاية عنده تبرر الوسيلة، أو أنه كان رجلا جاهلا فصدق هذه الأسطورة ورددها فى قرآنه ظنا منه أنها حق لا ريب فيه. ومن كان عنده تفسير ثالث فليوافنى به، وله المثوبة والأجر من الله! والعقل الغيبى الخرافى الأسطورى هو الذى يصدق ما جاء فى القرآن ويأخذه على أنه حقيقة تاريخية، أما العقل العلمى فيرى فيه أسطورة ملفقة زيفها العرب فى الجاهلية، ثم جاء الإسلام فاستغلها لأسباب سياسية. ومن كان لديه تفسير مختلف لما قاله كل من طه حسين ونصر أبو زيد فله كل الشكر إذا أمدنا به. أما الرد على ذلك الكلام الفارغ الذى تقيأه طه حسين فليس هنا موضعه، إذ تولى كتابى: "معركة الشعر الجاهلى بين الرافعى وطه حسين" وبحثى المنشور فى المشباك: "نظرية طه حسين فى الشعر الجاهلى: سرقة أم ملكية صحيحة؟ " هذه المهمة. وكانت نتيجة نشرى لكتابى عن "معركة الشعر الجاهلى" أن انقضت على صاحب الكتاب قوى الظلام والبطش الإجرامى التى لا تطيق أن يخالفها أحد، وبخاصة إذا كشفت المخالفة زيف كلام طه حسين وبينت بالأدلة المنهجية الصارمة سخفه وتهافته، نعم انقضت قوى البطش الإجرامى التى تضرب ضربتها فى ظلام الليل البهيم دائما ولا تظهر فى نور النهار أبدا وانهالت بالمطارق الحديدية الثقيلة على دماغه تريد تحطيمه، وهيهات. وقد احتسبنا نحن ما وقع علينا من أَذَى المجرمين التافهين عند الله، الذى لا يضيع عنده ما يحتسبه عبده الراجى رحمته وثوابه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير